الإثنين 2020/01/06

آخر تحديث: 11:20 (بيروت)

فيليكس فينيون: الساحر الذي رمى قنابل كثيرة

الإثنين 2020/01/06
increase حجم الخط decrease
حين رسمه بول سينياك، أبداه شبيهاً بالسحرة، ليس القدامى طبعاً، بل هؤلاء الذين تحولوا، ومع الثورة الصناعية، وللحفاظ على أنفسهم، إلى "لعيبة خفة"، بقبعة الرأس، يخفون إبهامهم، وبعصاهم، يدقون على أبواب مغلقة لكي يفتحونها. نعم، فيليكس فينيون كان منهم، وهو قد برع، وكما في لوحة سينياك، في قطف الزهر، ثم تقديمه للأفق، الذي، وما أن يأخذه منه، حتى يرحب: إنها خدعة، بحيث أن الزهر هو، وعلى الدوام، أشياء أخرى.

من الممكن، وعبر التحية، التي يقدمها متحف الـl'orangerie في باريس (حديقة التويلري) على شكل معرض، إلى فينيون، الوقوف على بعض هذه الأشياء. فأولها، أو بالأحرى أشهرها، هو النشر، إذ أن فينيون ذائع الصيت بوصفه ناشر "إشراقات" آرثور رامبو، لكنه، في الحقيقة، هو تقريباً "المسؤول" عن نشر كتابات الكثيرين من الخلاقين، أكان عبر الإشارة إليهم في مقالات النقد، الذي واظب عليه، أو في عمله في دار "منشورات لا سيرين"، حيث قدم للقراء جيمس جويس، كلود آنيه، أوكتاف ميربو، لوسي كوتورييه، ألفرد جاري، مالارميه، وغيرهم. ولكن، فينيون لا يستهويه الأدب فقط، بل، وبالتوازي معه، يهوى الفن، وهو-وهذا جعل صيته يذيع أيضاً- كان من المدافعين عن الحركة الإنطباعية، لا سيما عبر بيانه "الإنطباعيون في العام 1886"، مثلما أنه، ومع إدارته الغاليري التاريخي "برنيم-جوون"، قدم لزواره هنري ماتيس، وجورج سورا، وبيار بونار، وموريس ديني. باستمرار، كان، ومع تقديمه أي من شغيلة الأدب أو الرسم، يحدث جلبة في الدوائر الثقافية الباريسية، بحيث أنه لا يختار سوى الأعمال الطلائعية، التي كانت تشقلب الحساسيات العامة، وتطيح بها.

وهذا، ليس مجرد فعل استطيقي بالتأكيد، بل إنه مرتبط بالموقع السياسي لفينيون. إذ إن هذا الساحر، وهذه صفة لا بد أن تكون لازمة له، إرتبط اسمه بالتيارات الأناركية، حيث نشر مقالات في مجلاتها، وعلى رأسها En-dehors، وهي دورية تحررية، كابدت اعتقالاً ونفياً في سبيل قضاياها. في هذا السياق، وبالتوازي مع تقديم فينيون أعمال الأدباء والفنانين لقرائه، كان ضليعاً في العمل النضالي، الذي لم يكن، وعلى الدوام، خالياً من العقبات، بل كان، وعلى العكس، مليئاً بها. ففي العام 1894، وقع إنفجار في مطعم "فويو"، وعندها، حامت الشبهات حول فينيون نفسه، وبذلك، داهمت الشرطة منزله، ومكان عمله-كان يشغل وظيفة في وزارة الحرب آنذاك-حيث وجدت مادة الزئبق، التي قيل أنه صنع العبوة منها. أُلقي القبض على فينيون، وفي الوقت عينه، على الكثير من الانركيين، كسبستيان فور، وبول ريكلو، الذين تعرضوا على شاكلته للسجن، وهذا، قبل إطلاق سراح البعض منهم، وإطلاق سراحه. حينها، وفي أثناء الاستماع إليه، قال جملته الشهيرة، التي تُعتبر نوعاً ما من أدبيات الأنركية: "أنا لا أرمي من القنابل سوى الأدبية منها".

إلا أن قنابل فينيون ليست أدبية فحسب، فالمعرض-التحية يقول ذلك باتقان، بحيث يعرّف الأنركي الساحر بوصفه جامع لوحات الإنطباعيين والنيو-إنطباعيين والمستقبليين، كبيار بونار، وإدغار ديغار، جياكومو بالا، وإميل كومبار، وأندريه ماسون، وأوغست رنوار، بالإضافة إلى كونه جامع تحف من القارة الافريقية، التي لطالما أبهرته. على أن كل تجميعات فينيون متصلة بما كتبه، بأرشيفه، الذي عرض المتحف جزءاً منها، ولا بد هنا من الإشارة إلى نصوصه اللامعة في "المجلة البيضاء"، وخصوصاً قصصه، كما إلى مراسلاته مع إميل زولا، عدا عن توقيع على بيان المثقفين للدفاع عن دريفوس. وبهذا، لا مبالغة في القول إن فينيون، الذي عاد وطعم أنركيته بالشيوعية، ترك أثراً في الفن والأدب، لا سيما نقدهما، خلال بداية القرن العشرين، إذ كان له أثر في التنبيه إلى هذا العمل الفني أو ذلك النص الشعري. وبهذا، حطّم حساسيات، وبدل انتباهات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها