الأربعاء 2020/01/29

آخر تحديث: 13:53 (بيروت)

"ترامب" آلان باديو: انهيار الأوليغارشية التقليدية وصعود الفاشية الديموقراطية

الأربعاء 2020/01/29
"ترامب" آلان باديو: انهيار الأوليغارشية التقليدية وصعود الفاشية الديموقراطية
increase حجم الخط decrease
من الممكن تغيير عنوان الكتاب الصغير، الذي صدر قبل أيام لآلان باديو بعنوان "ترامب" (puf)، إلى "ما الفاشية الديموقراطية؟"، التي يُعدّ رئيس الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى برلسكوني وساركوزي  وبوسلونارو وغيرهم، من ممثليها. فالاستفهام عمن هو ترامب، كما طوال المحاضرات التي جمعها الفيلسوف في الكتاب اياه، ليس سوى سبيل إلى السؤال عن تلك الفاشية، عن ذيوعها بالتوازي مع صعودها إلى الحكم.

لكن، للوقوف على هذه الفاشية الديموقراطية، لا بد من الدراية بالنظام الذي تنشأ داخله، وهو، طبعاً، الرأسمالية الليبرالية. إذ إن هذا النظام هو حالياً في مرحلة قصوى من توحشه، الذي يساوي مداومته على انتاج اللامساواة في العالم، بالانطلاق من كون الملكية الخاصة هي قوامه. ولا حد لهذا التوحش، بحيث أن نظامه، ومع كونه الأمر الواقع، يقدم ذاته على أنه الأوحد، أي يصعب، لا بل ممنوع التفكر، التخيل، أن له آخر، أن له بديلاً: إنه "الانفراد التاريخي لرأس المال". وخلال هذا الانفراد، هو يستقر على توزيع محكوميه في خانات أربع: الأولى، خانة متملك الرساميل. الثانية، خانة الأجير. والثالثة، المستهلك. والرابعة، الذي لا ينتمي إلى أي من هذه الخانات الثلاث، والذي هو لا شيء. وخلال هذا الإنفراد ايضاً، ولكي يتواصل التوزيع، ومعه، اللامساواة طبعاً، لا بد من صونهما، وبالتالي، تأخذ الدولة على عاتقها هذا الدور، لتكون حامية الوحش.

في قلب هذا النظام، تشتغل السياسة بالاستناد إلى الفوارق الصغرى داخل توجهه الوحشي، ولأنه يحظر أي خارج له، يصير توجهه مجرد دوران على نفسه، وبالتالي، التوجه، هنا، يرادف انعدامه. فالمحكومون بذلك الوحش لا يجدون لمستقبلهم وجهة، ولا إليه منفذاً، يتساءلون عنهما، ليقعوا على الكثير من الأجوبة الباطلة، وفي مقدمتها، جواب الجديد الزائف. ترامب، باعتباره ممثل الفاشية الديموقراطية، هو هذا الجواب، هو الجديد الزائف، الذي تصدَّر المشهد على أساس أنه لا يمت بصلة إلى "الأوليغارشية التقليدية المثقفة"، لكنه فعلياً منها. إذ أنه "المبشر المهلوس بـ<طريق جديدة> مع بقائه راسخاً على طريق الأوليغارشية الطاغية، أكانت مثقفة أم لا. هو يحتل لحظة تتيح له الإعلان عن جديد ما يحدث".. لكن هذا "الجديد"  ليس كذلك، إنما هو خلطة جديدة لأشياء قديمة تحت القانون الناشط والإنفرادي لتركز رأس المال في طبقة بعينها. فقد يصح القول إن الفاشية الديموقراطية تسجل انهيار الأوليغارشية التقليدية، كما تسجل صعود اوليغارشية غيرها، أو ربما، في المقلبين، تسجل "تجدد" هذه البرجوازية، بحيث أن "جِدَّتها" تتعلق باستطاعتها ترك وحشها يدمر ويقصي وينفي، أي تركه كما هو من دون أي قناع تجميلي وتثقيفي.



بعد ذلك، يسأل باديو، وعلى الطريقة اللينينية، "ما العمل؟"، ليس حيال الفاشية الديموقراطية فحسب-كالرجوع إلى خيار البرجوازية التقليدية، المثقفة، المنهارة مسبقاً، مكانها، أو خيار الديمقراطيين بدلاً من الجمهوريين، أو اليسار بدلاً من اليمين، وكل فارق من فوارق المذهب الرأسمالي بدلاً من غيره- بل حيال طبقتها، حيال الأوليغارشية، حيال نظامها بأكمله. العمل هو البدء من جديد، أي العودة إلى السياسة، التي تقتضي وجهتين، لا وجهة واحدة، تقفر من السياسة، بحيث أن سياستها هي لا-سياسة، هي زوالها. الفاشية الديموقراطية أيضاً تسجل هذا الزوال، ولأجل ذلك، لا بد من وجهة أخرى، تبني السياسة. باختصار: السياسة اليوم تستلزم العودة إلى الديالكتيك، العودة إلى الاثنين الفعليين، وليس إلى الواحد الغشاش، الذي يدعي أنه اثنان، ويدعي انه كثرة.

ما هي الوجهة هذه؟ باديو يسميها باستمرار الفكرة الشيوعية، التي يحدد مبائدها هكذا: الانتظام الاجتماعي لا يرتكز على الملكية الخاصة وعلى اللامساواة التي تنتجها. العمل ليس مقسماً بين عمل نبيل، ذهني، وثانٍ، دنيء، يدوي. فك الارتباط بين رفض المساواة وتقديس الهويات، والتأكيد على أن الاختلاف الهوياتي لا يجب أن يكون حاجزاً أمام المساواة، "على المساواة أن تصير ديالكتيك الاختلاف، لأن القدرة الابداعية للإختلاف تكمن في المساواة". لا حاجة إلى الدولة، بل من اللازم استبدالها بما يسميه ماركس "الاتحاد الحر"، أي أن "كل ما يتعلق بحياة الناس وبمستقبلهم، من الممكن نقاشه بالطريقة المؤاتية في اجتماعات تنعقد بينهم".

هذه المبادئ تترابط مع بعضها البعض في سيرورة ثورية، وهي، ككل سيرورة من قبيلها، خلاقة، بحيث تودي إلى ولادة خارج للرأسمالية. ربما، هذه السيرورة لن تكون واضحة في أولها، وربما تبدو محالة. لا بأس، فليكن، فالسياسة هي فن المحال. الا أنه، وبتآزر بعض الشبيبة، بعض المثقفين، بعض "البروليتاريا البدوية"، أي اليد العاملة واليد العاطلة عن العمل، التي تنوجد أينما كان عالمياً، من الممكن مغادرة ما سمّاه راسين ذات مرة بـ"رعب الليل العميق"، مغادرة نظامه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها