السبت 2020/01/25

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

معارك حنان... وجائزة رابطة نساء المسرح في نيويورك!

السبت 2020/01/25
معارك حنان... وجائزة رابطة نساء المسرح في نيويورك!
كاميرا pierro chiussi
increase حجم الخط decrease
لا وقت لدى حنان اليوم للاحتفاء كما ينبغي بخبر حصولها على الجائزة الدولية لرابطة نساء المسرح الاحترافي للعام 2020. وإن بحثت عنها ستجدها في الشارع مع الثوار، تتنقل من اجتماع الى آخر، وتحاول في كل لحظة أن تبني "الآغورا" الخاصة بها، الجامعة لكل التناقضات والإشكاليات الوجودية والمسرحية والسياسية والثقافية، كما لو أنها تهرول طوال الوقت.

في الواقع، ليست مسرحيتها الأخيرة Jogging، الا تمثيلاً صغيراً ليوميات حنان الحاج علي، التي بلغ بها الشباب شيباً لم يثنيها عن التزامها بقضايا الناس ولم يجعلها بالتأكيد أقل صدامية. 

لحنان باعٌ طويل في المسرح منذ العام 1978 مع مسرح الحكواتي الذي شاركت في تأسيسه مع زوجها روجيه عساف وعبيدو باشا وبطرس روحانا وحاكمة أبو علي وآخرين. لا تحصر صاحبة الأدوار الشائكة، نفسها، في سياق واحد. لم تتوقف حماستها مع توقف تجربة الحكواتي، تبدّلت وتنقلّت وتناقلت.  

عملت كممثلة مع المسرحيين الشباب، وكان لها دورها في التعليم الجامعي حول المسرح وتقنياته ونظرياته، وتولت تدريب مئات الشابات والشبان من كل المنطقة العربية في مجالات تعدّت عالم المسرح. في كل معركة لها حصة وازنة ويا لكثرة المعارك.

حين تذكر حنان معركتها الأولى، تصنفها بالصفعة. صفعة السبعينات حين وجدت أن الجيش اللبناني يقاتل الفلسطينيين. الفتاة المراهقة التي نشأت في مناخ داعم للقضية الفلسطينية، لمست حالة الصراع التي عايشها والدها المتعاطف مع فلسطين والذي كان يعمل في السلك الأمني. في تلك اللحظة، لحظة صراع الوالد بين مناقبيته وتعاطفه الإنساني، بدأ وعي حنان السياسي بالتشكل... ثم أتت الحرب الأهلية، حيث نشطت في العمل التطوعي من دون أن تنضم الى أي حزب أو تنظيم سياسي على الرغم من تعاونها مع العديد من الأحزاب اليسارية. 

في لحظة ما، بعد تأسيس مسرح الحكواتي، بدأت تشعر أن هذه الحرب -التي بدأت كثورة -  قد تكون فرصة لتكوين دولة عادلة لا طائفية، مدنية، تجعل كل الناس سواسية تحت سقف القانون. راهنت حنان على العديد من الأحزاب اليسارية لتكتشف لاحقاً (بدءاً من الثمانينات) أن كل هذه الأحزاب وجهان لعملة واحدة، ولن تستطيع الا أن تجتر خيبة الأمل تلو الأخرى.



لدى انتهاء الحرب الأهلية – الهزيمة الكبرى، كما تصفها حنان، وبعد معركتين لا مناص منهما، معركة فلسطين ومعركة بناء دولة لا طائفية- فرضت المعركة الثالثة نفسها: مشروع سوليدير وما يجاوره من سياسات رفيق الحريري في تحويل المدينة الى مشروع عقاري خاص. لا تنسى حنان تجربة "مسرح بيروت"، التي بدت طاقة أمل، ولو صغيرة، في مجابهة مشروع بهذا الحجم، وحيث بنت هذه التجربة مع مسرح الحكواتي توثيقاً بديلاً للذاكرة. طوال الحرب لم يتوقف مسرح الحكواتي عن النبش في موضوعة الذاكرة والتاريخ الحي الذي يقابله تاريخ مجتزأ أو مزيف: وكانت المناطق المهمشة والمنبوذة، في هذا السياق، منبعاً فذاً وحافلاً لما لم يُقَل بعد حول طريقة عيش، وحياة ولغة جديدة لم تسجلها كتب التاريخ. حتّمت نهاية الحرب العودة الى ذاكرة بيروت التي تمّ طمسها والتي دُمرت رمزياً وجسدياً مع مشروع إعادة الاعمار. هكذا بنت مواجهتها مع النظام السياسي.

تسر حنان أنه في بداية التسعينات، لم يكونوا - كفنانين ملتزمين – قادرين على تفسير المنظومة السياسية بهذا الوضوح الذي يبنيه الشباب اليوم حول أساطين السلطة والمال والتحالف بين أهل الحكم والمصارف. لكن كان هناك إحساس بخطورة النظام، ما فرض مجابهة له إما عبر مواقف الفنانين الحياتية أو عبر العمل الفني.

معركة مهمة أيضاً في مسيرة حنان الحاج هي معركتها المستمرة مع الرقابة منذ العام 2008 وما قبل، حيث لم تتعب من محاولات متعددة مع وزراء ثقافة عديدين من أجل إلغاء مرسوم 2/1977 وهو مرسوم الرقابة المسبقة على المسرح، الذي له حكايته مع مسرحية "مجدلون" لمحترف بيروت (الذي أداره كل من روجيه عساف ونضال الأشقر). لم تكن حاضرة على حادثة "مجدلون"، لكنها أجادت توثيقها في كتابها حول "مسرح بيروت"، حيث رُفعت دعوى قضائية على الحكومة اللبنانية وتم كسبها. معركة أخرى كانت للحفاظ على "مسرح بيروت" العام 2013 وتجنب هدمه عبر وضعه في لائحة الجرد العام... هكذا هي حنان، لا تتعب ولا تكلّ.

منذ العام 2004، حتى اليوم، انخرطت في العمل الجمعي الذي لا يحصر نفسه فقط بالفنانين وبأعمالهم وبحقوقهم، انما يهتم ببناء قدرات ومعارف، ويعنى بتشكيل ثقافة قادرة على التغيير من أجل الحرية والعدالة والكرامة والديموقراطية، في حين راحت تتسارع وتيرة الانهيارات. وهنا شكلت حنان مساراً موازياً لمهنتها كمسرحية، له رافدان: السياسات الثقافية/إدارة الثقافة والثقافة والفنون، كمكوّن تنموي اجتماعي وأضافت الى رصيدها في العمل الجمعي، مساهمات عديدة في تكوين مؤسسات لها مكانتها هذا المجال، مثل "المورد الثقافي" و"اتجاهات" و"العمل للأمل".



لم يأت همّ السياسات الثقافية عن عبث... هو نتيجة تراكمات هذا المسار الذي بنته حنان بعناية. وليس كتاب "مسرح بيروت" الذي وثق لتاريخ هذا الفضاء، وكتاب "مدخل الى السياسات الثقافية في العالم العربي" الذي حررته، سوى خير مثالَين يربطان ما سبق بالحاضر أو بما ينبغي أن يكون. وتشديدها على حق الناس، كل الناس، في التعبير عن أنفسهم، هو مظهر من مظاهر هذا الإلتزام الأول والأخير بالإنسان قبل كل شيء: خلال الحرب الأهلية، عملت مع النساء الجنوبيات ووثقت لمعاناتهن في المسرح، وعملت على الأرض في أحزمة البؤس، وساهمت في تدريب أطفال مدرسة الدرب الأحمر في مصر، وأخرجت عرض "تاهت ولقيناها" تحفة مسرحية في فنون السيرك، وحضرت - إثر الربيع العربي - في قوافل الإغاثة الثقافية التي نظمتها بسمة الحسيني مع مجموعة من الفنانين والعاملين في الثقافة تحت مظلة "المورد الثقافي".

عرضت مسرحيتها الأخيرة "جوغينغ" في أنحاء العالم: قدمت ما يزيد عن 150 عرضاً في المناطق اللبنانية كافة، وجالت في أكثر من 30 بلداً. وها هي تحصد جائزة جيلدر/ كونيي Gilder/Coigney الدولية للمسرح، والتي سيتم تسليمها في 20 تشرين الأول/أكتوبر2020 في مسرح مارتن سيغال في نيويورك. تعطى هذه الجائزة لنساء، يملكن دوراً استثنائياً في المسرح، وتهدف الجائزة الى إحداث تغيير في حياة ومهنة الفنانة، بالقدر نفسه الذي أحدثته في حيوات جمهورها وثقافتها. تقدم تلك الجائزة مرة، كل ثلاث سنوات، وهذا العام تم ترشيح 27 فنانة من 19 بلداً حول العالم.

مهلاً… سينتهي المقال ولم أبدأ بعد بالتركيز على مسيرة حنان الفنية… يبدو أنه أثر ثورة 17 تشرين، أو أثر حضور حنان، وكثر أمثالها، في ثورة المئة يوم ويوم!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها