الأربعاء 2020/01/22

آخر تحديث: 18:24 (بيروت)

حرقوا الكوتا.. شكراً!

الأربعاء 2020/01/22
حرقوا الكوتا.. شكراً!
الوزيرات الستّ في حكومة حسان دياب (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
لعل واحدة من الفضائل شبه المعدومة للحكومة اللبنانية الجديدة، ليس أنها حقّقت مبدأ الكوتا النسائية في المشاركة في السلطة وصناعة القرار، بواقع ستّ وزيرات في حكومة عشرينية، أي بنسبة 30 في المئة. بل إنجازها أنها حرقت هذا المبدأ، وفتّتته ونثرته هباء، كما يفترض أن يحصل، وكما هو مأمول منه ولأجله منذ ولادته كأحد أبرز شعارات المساواة الجندرية ورفع التهميش الحقوقي والاجتماعي والسياسي عن اللبنانيات.


ففكرة الكوتا، من الأصل، هي سُلَّمة مرحلية، صُنعت ليتم تجاوزها. كانت التمييز الإيجابي المؤقت، لمواجهة العقليات والتقاليد – وأحياناً القوانين – المعيقة لمشاركة النساء في سُدد الحُكم، ريثما تصبح جاهزة الأرضية الملائمة لوصول المرأة المناسبة، بل الشخص المناسب، إلى المكان المناسب، بلا دفع من الكوتا... تماماً كما هو الهدف الأسمى بالنسبة إلى المسؤولين الرجال. سوى أن الأخيرين، وغالباً غير المناسبين، لطالما وصلوا بلا أن تحملهم أي كوتا، إلا تلك الحزبية والطائفية المتحكمة في البلد بأسره.

حكومة حسان دياب حرقت الكوتا النسائية، مشكورة. إذ أثبتت، بالعملي، أن المشاركة في حد ذاتها لا تعني شيئاً، وأن الرقم وحده هراء، ما دام المعيار هو المحاصصة الحزبية والطائفية والزعاماتية، وطالما أن توزير النساء هو هدف، وليس وسيلة، لحكومة تستخدمه ملصقاً ترويجياً لخبثها وهزالها.

وقد ارتضت ست وزيرات، استبدال مبدأ وراثة الرجل (الزوج أو الأب أو الأخ) كمدخل شبه أوحد إلى موقع سياسي، بأن حشرن أنفسهن، كنساء وكمستوزرات غير مستقلات عن أحزاب السلطة التي تقوم عليها ثورة في البلاد، في "فرس طروادة" الداخلة إلى المعترك الحكومي. وأكثر من ذلك، هو معترك حكومة اللون الواحد. حكومة "حزب الله" (بفائض قوته وأجندته فوق الوطنية واستقوائه على مواطنيه)، وحكومة جبران باسيل (بنهمه للسلطة وشعبويته الطائفية والشوفينية والعنصرية). الحكومة التي تستخف بالشارع وثورته، بل تشيطنها حين لا تستطيع امتطاءها. تهزأ بمطالب الناس، وهتافهم "كلن يعني كلن"، وجرحاهم وقتلاهم وعيون أولادهم التي فقأها الرصاص المطاطي. حكومة تتذاكى، ويرقص رئيسها في الحفلة التنكرية بقناع شفاف. تكذب فتقول "اختصاصيين". تكذب فتقول "مستقلين". وتمعن في الكذب إذ تقول "إصلاحات". حكومة من هذا النوع، إذ تطبّق الكوتا الجندرية فتنسفها، تقدّم خدمة للقضية الجندرية وحضورها في الحيز العام.

ولعل "الخدمات"، في هذا السياق، كانت قد بدأت تتراكم منذ زمن، على مهل. بدءاً بشخصية من قبيل النائبة جيلبرت زوين، التي لم يُسمع لها مرة، حِسّ أو رأي أو إنجاز، سوى صورة حضورها في اجتماعات تكتّلها السياسي العَونيّ. بل حين صدرت عنها بادرة، كانت طعنة في مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري، إذ دافعت عن صيغته النهائية التي أُقرّت لتفرغ المشروع الأصلي من الثير من محتواه وفعاليته. واستمرّ التراكم، وصولاً إلى وزيرة الداخلية السابقة، ريا الحسن، التي، وبأداء وزارتها وبتفاوتات تصريحاتها إزاء ثوار 17 تشرين، هشّمت – مشكورة أيضاً – تلك الفرضية الضحلة بأن النساء لا يصنعن العنف، وأنهن، بحكم جنسهن و"تركيبتهن" (أياً كان معنى تلك الكلمة)، أكثر عدلاً وأقل عدوانية، لا سيما في موقع المسؤولية.

وها هو أحد أبواق الممانعة يهنئ وزيرة العدل الجديدة بمنصبها، مستخدماً المنطق اللزج نفسه عن المرأة المُعَدّة لتكون أمّاً، أي حنونة وحازمة في الوقت نفسه، وكيف أن هذا بالضبط ما تحتاجه العدلية.. دون، مثلاً، الحاجة إلى مَن يصون/تصون مبادئ المواطَنة والحقوق والواجبات والمساواة واستقلالية القضاء. والنتيجة، هي نقل مواصفات البطريركية الأبوية، إلى أخرى أمومية، ترعى هؤلاء القاصرين الذين يُسَمَّون شعباً. وفي السياق نفسه، بدت تهنئة رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، ابنة رئيس الجمهورية، بتحقيق نسبة الـ30% وزيرات وكأنها إيرادات جديدة للدولة المفلسة، دليلاً إضافياً على خواء المناصب التي يفترض أن الدولة تجسّر من خلالها علاقتها بالمواطنات.

خدمة أخرى أسدتها هذه الحكومة للبنانيات المعنيات بالشأن العام: حققت عنصر مساواة جديد بين الرجال والنساء. مساواة سلبية، لكنها مهمة. تعادل الجنسان، هذه المرة في ميزان سخرية الناس، والذين تجلّى ردّ فعلهم على التشكيلة وما سبقها من تجاذبات سخيفة بين جشِعين، في البحث المحموم، في السِّير الذاتية والصفحات الاجتماعية، عن فضائح فساد ومحسوبيات وانعدام أهلية، يقول لهم حدسهم بأنها موجودة بلا شك، ولا ينقصها إلا من ينبشها ويوثقها. فحكومة على هذه الشاكلة لا بد أنها كاملة الدسم، إن لم يكن بالمخالفات، فبالولاءات الضيقة. وإن لم يكن بالشبهات الجُّرمية، "فبكفاءات" مدراء المصارف ومستشاريها الأمنيين. ناهيك عمن يقبلون/يقبلن وزارة لا علاقة لها بتخصصهم/ن، في وزارة اختصاصيين، ويصرّحون ويصرّحن عن القرب من هذا الرئيس أو ذاك الحزب بأريحية مَن يتحدث عن برنامج العمل.

هذه الكوتا النسائية المفخَرة، لا تختلف عن شركائها الرجال في شيء. ستّ وزيرات قبلن التوزير على أنقاض البلد وفوق أجساد ثواره. وذلك ليس لأنهن مستضعفات طامحات إلى موقع قوة يقاومن من خلاله، بل بالضبط لأنهن من الفئة الأقوى والمستقوية. طارت الكوتا، وطيَّرت حَرفيّتها، فشكراً. والآن الشغل شغل ثورة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها