حجم الخط
مشاركة عبر
أفكر في السبيل المؤدي للهدف العظيم، فأجد أنه غير موجود أصلا. فهو سبيل تطمسه الاقدام المتوالية منذ عصر بروميثيوس. إنه أشبه بطريق كان يبتلع أبطال الروايات الأسطوريين امثال اوديب وعوليس وشمشون وجلجامش.
افكر بالهدف نفسه، ولِمَ هو يجذب آلاف المضحّين بأنفسهم. أهناك جاذبية تفوق قدرة الإنسان الاعتيادية على مقاومة الأخطار؟ لماذا تنبثق فجأة صورة أشخاص مختارين في كل العصور سلكوا الدرب الوعر دون سلوك الطريق السهلة المستقيمة؟ ومن بين هؤلاء الأشخاص تنفرز شخصية "الصحفي" المعرَّف بصفاته الجوهرية وثيماته الوعرة، فهو الأكثر اندفاعاً مع الجيوش لميادين القتال، والأقل خذلاناً في ساعات الهزيمة والانسحاب. أما اذا حددنا وقتاً محدوداً، ورقعة صغيرة، وحاسة خارقة لازدحام الصحفيين على هدف عظيم، فإن حالة مثل هذه ستضعنا وراء الجدران الكالحة لمعاقل ومصحات ومحطات قطار ومطابع صحف احتوت تلك النفوس التواقة للنور والحقيقة، في مدينتنا المعاصرة.
إلا أن المهمة الأخطر، هذه التي تضع الصحافي إزاء طلقة الرصاص الغادرة، جواباً على تحقيق شامل بأسباب الاحتجاجات العادلة. إنه الحق المهضوم بعينه!
ازدحمت رقعة الهدف العظيم بأسماء صحافيين لا عدَّ لهم، ولا نهاية لتزاحمهم واندفاعهم، وكل منهم يواجه الباب الأخير في زمنه فيدقه بقبضة حمراء مضرجة، فنسمع دوياً كهدير البحر في رواية هيرمان ملفيل موبي ديك، او كدقات قلب الأم الشجاعة في مسرحية بريخت، او كوقع أقدام الصحافي في زقاق روايات فرمان.. وقد ينكتم الصوت فلا نسمع الرصاصة الغادرة في شارع جانبي.. وهذه الحال أقرب لوصف باب الصحافة المنزوي، وللسبيل غير المعروف للهدف العظيم!
ليس دوار الهاوية، وانطماس السبيل، وحدهما، مَا يقودان الصحافي الى حتفه، ففوضى الأنظمة الحاكمة وطغيانها قرينان قديمان لأي سبيل مطموس نحو الهدف العظيم!
هذا الحتف المؤلم للصحافيين يستحق جواباً من نوع مغاير. احتجاجاً أقوى من دق الباب!
(*) مدونة نشرها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها