الثلاثاء 2019/09/24

آخر تحديث: 13:22 (بيروت)

باولا يعقوب لـ"المدن": هدفي التعبير عن الحرب بلا خرائبها

الثلاثاء 2019/09/24
باولا يعقوب لـ"المدن": هدفي التعبير عن الحرب بلا خرائبها
طبعَت بصمات القنابل في الجدران مستخدمة ورقاً خاصاً وتقنية أركيولوجية
increase حجم الخط decrease
البصمات لا تنحصر في الأيدي والأصابع والعيون. لفجوات الرصاص والقنابل، بصماتها الفريدة في الجدران، طبعتها الفنانة والمعمارية باولا يعقوب (1966) بعناية وإتقان، مستخدمة ورقاً خاصاً وتقنية من علم الأركيولوجيا لحفظها. أخذت البصمات من جدران لمبنىً في طريق الشام (1995) بالقرب من المعهد الفرنسي، حيث كان خط تماسٍ أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. علّقتها في معرضها "أراضٍ جذريّة" إلى جانب صور فوتوغرافية التقطتها بحدسها قبل كاميرتها بين العامين 1990 و2012 وامتدت جغرافيتها في منطقة بين لبنان وكردستان.

وزّعت باولا، الحائزة على دبلوم في الهندسة المعمارية من Architectural Association في لندن، "بصمات القذائف الجدارية" على طاولة حمراء. من بعيد توحي تلك البصمات البيضاء، المصنوعة من شيء يشبه السيراميك الأبيض، أنها أصدافٌ بحرية. تقول باولا: "عندما فعلت ذلك، لم أكن واعية تماماً لأهمية الفكرة، لكن بعد مرور الوقت أدركت قيمتها!"



ترى في صور يعقوب، ارتجاجات أرض ترابية قاتمة، يتوزع فيها اخضرار متفرق. كاميراتها في بعض الصور، لصيقة بالأرض، تستطيع تخيّل موضعها وهي تلتقطها. في صور تبدو كأنها مجموعة واحدة مأخوذة بالأبيض والأسود، أسودها قاتم جداً واللون الأبيض يكاد يجعل تفاصيله غير مرئية كمبنىً على جبل، تشعر أنه ينصهر مع السماء. ربما هذه هي الصور الأكثر قتامة وحزناً رغم أنها لا تحوي دماراً وركاماً كما البقية.

في صور أخرى حافظت بولا على الألوان، وهي التي تعمل على مفهوم الأوتوماتا في التصوير الفوتوغرافي والهندسة المعمارية منذ العام 1994. تُظهِرُ فيها الأرض الوعرة، الصخور المتراصة، والتربة الخصبة. تقتطع الصور المساحات الخلفية والسهول، لكن باولا تعمَّدت ترك دلائل عليها. لا تستطيع أن تحزر ما الأرض التي التُقطت فيها الصور، أهي بيروت، جنوب لبنان، الحدود اللبنانية السورية، كردستان؟ لا دليل ولا أثر سوى في صورة واحدة حيث يوجد قبر، لعله على أرض كردستانية، لكن مَن يؤكد؟ يمكن لأي كادر من تلك الفوتوغرافيات أن يكون في أي من تلك الجغرافيات، فالحلّة مشتركة: الحرب واحدة ودمارها واحد.

عين باولا لا ترى صنيعة الحرب بالأرض فقط، وكيف تدمر هويتها وتمنحها هوية أخرى (هي بغنىً عنها وعن وحشيتها)، بل ترى كيف تنحتُ الطبيعة جمالَها بنفسها في صور لطرق تسير بالتوازي فوق صخور سوداء مهندسة بجمال أنيق، طبيعي.

"الحرب فعل حزين وقاسٍ، وبالتالي صورها لن تكون مفرحة ومفعمة بالحياة! أستخدم الدراما للتعبير عن ذلك في صوري والأعمال الفنية"، تقول باولا لـ"المدن". وهي شعرت أنها، كفنانة، يتوجّب عليها القيام بشيء تجاه ما يحصل بما تملك من أدوات. ذهبت أبعد من الصورة لتحاكي فعل التصوير بحد ذاته. أرادت أن تكون الصورة وثيقة بكيانها فقط، من دون الحاجة إلى "كابشن" لتوثيق حدثها. لذلك أسقطت الكلام لتترك الفعل للصورة وحدها، وهكذا عبّرت عن موقفها كمصورة.

تشرح يعقوب أن هناك أشياء مقصودة، مع أنها تبدو محاولات تسلية ولعب بالصورة، لكنه فعل التقاط الصور. وهذا يحدث، بالنسبة إليها، عندما تمسك بالكاميرا وتكون قريبة من جسمك. هذا يختلف عن تقنية الـdrone. فمن خلال استخدام الكاميرا، يكون المصوّر في قلب الحدث أو قريباً منه ويمكن أن يتعرض للخطر أو يموت. أما في حالة الـdrone فهو بعيد ويمكن أن تصاب آلته التصويرية الطائرة من دون أن يصاب بأذى. من خلال صورها يستطيع الرائي أن يحدد مكانها عند التقاط الصورة.

تؤمن صاحبة معرض (Drawing with Things Themselves (2011، أن استعمال الصورة وفعل التصوير، له تبعات. فصُور الدرون الجميلة، لا تمثلها ولا تنقل حقيقة الصورة وأحداثها. تَمَوضُع الكاميرا وبُعدَها أو قُربَها من الفعل أو الشيء، كله له معانٍ ورسائل لا يمكن غض النظر عنها.

لا تعني باولا أن يعرّض المصور نفسه للخطر، لكنها لا تحبذ استخدام تقنية التصوير الطائري الذي يلتقط الصورة "الرائعة" آلياً من دون أن يكون المصور على تماس مع الحدث. استخدمت في تصويرها مختلف أنواع الكاميرات مثل disposal cameras وlomography Russian camera وmetal format، وكاميرا "آي فون". 


لا تترك يعقوب أي أثر في الصورة ليدل على مكانها. تركّز، من جديد، على ثبات قدميها كمصورة على الأرض التي توثقها بآلتها الصوَرية. لم ترد أن تقع في السرد المكرّر أو التأريخ لأنها لا ترى ذلك كافياً. ترمي الكرة في ملعب الرائي، ليتفخص الأرض في صورها؛ قد تكون أرضاً خصبة، لكنها مزروعة بالألغام! بذلك تحاول إثارة وعي المشاهد.

تستعيد كيف أن الجميع، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، كان يصوّر بيروت المدمّرة، وكيف غدت المدينة محطمة تملأها الأنقاض. لا ترفض توثيق الحرب والمأساة بالطريقة التقليدية للتصوير، لكنها أرادت التعبير عن الألم والوجع من دون دليل الحرب، فبدأت تتساءل عن الطريقة التي ستعبّر من خلالها. كانت تلك الشرارة الأولى، ربما، لهذا المعرض الذي يعكس خراب الحرب في الأرض، ونزع هوية صخورها، حصاها، أتربتها واسمنتها المتكسّر والأهم من كل ذلك، روحها.

(*) معرض باولا يعقوب، "أراضٍ جذريّة"، في غاليري "مرفأ".
من الثلثاء إلى الجمعة: من 12 ظهراً حتى 7 مساء. 
السبت: من 2 عصراً، حتى 6 مساء. 
ويستمر المعرض لغاية 27 كانون الأول/ديسمبر 2019.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها