الإثنين 2019/09/16

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

نجدت أنزور... الأسدي أكثر من الأسد

الإثنين 2019/09/16
نجدت أنزور... الأسدي أكثر من الأسد
نجدت أنزور
increase حجم الخط decrease
قطعة جديدة من سلسلة الأفلام "الوطنية" للمخرج نجدت أنزور، تستنفر الشارع السوري. ليس المعارض فقط من أزعجه شريط أنزور الأخير، "دم النخل"، كما هو الحال مع أي عمل يحمل اسم هذا المخرج في السنوات الثماني الأخيرة، بل إن الفيلم استفز حتى الشارع المؤيد للنظام، المنسجم سلفاً مع الأيديولوجيا التي يقدمها أنزور في أعماله الأخيرة، والتي تجسد رواية السلطة الأمنية المصدّرة في الإعلام، بل تُزايد عليها.

المقطع الترويجي للفيلم كان كافياً لإشعال لهيب أبناء مدينة السويداء، من مؤيدي النظام، ومعارضيه على حد سواء، بسبب جملة حوارية وردت على لسان جندي يتحدث بلهجة سكان المدينة. الجملة الوحيدة كانت كافية ليفهم المشاهد أن متحدث اللهجة يجسد شخصية الجندي الخائف من مواجهة "داعش" في تدمر، ما أثار انتقادات كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، أجبرت المؤسسة العامة للسينما على تأجيل العروض الجماهيرية، لإجراء بعض التعديلات على النسخة النهائية للفيلم.

في أعماله الأخيرة التي تجسد ما يسميها "بطولات الجيش العربي السوري"، لجأ أنزور إلى التنويع في لهجات شخصيات الفيلم من جنود النظام، ولو أنه أصر على تكثيف استخدام اللهجة "الساحلية"، بما تحمله من دلالات طائفية. لكن إقحام لهجة أهالي السويداء، بما تحمله أيضاً من دلالة طائفية، وجعل من يتحدث بها الجبان الوحيد في جوقة "المقاتلين الأشداء"، أمر يستحق الوقوف عنده فعلاً، لأن إنتاج الفيلم يأتي بعد حدثين رئيسيين يخصان السويداء. الأول، مهاجمة عناصر داعش للمدينة. والثاني، رفض جزء كبير من أهالي المدينة استخدام أراضيهم كمنصة لانطلاق عمليات جيش النظام للسيطرة على مدينة درعا المجاورة، في ظل ما يعرف عن السويداء، برفض عدد كبير من شبانها الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، لعدم رغبتهم في المشاركة بالمقتلة السورية.

بقصد أو من دونه، يوجه الفيلم رسالة فجة إلى أهالي السويداء، وبشكل ما إلى كل من يحسبهم النظام على الفئة "الرمادية"، من خلال قصة عن سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة تدمر الأثرية. ومفادها أن كل من يحاول النأي بنفسه عن الحرب الدائرة في البلاد، ستطاوله نيرانها حتماً، كما هو الحال مع السويداء التي فوجئت بين ليلة وضحاها، بعناصر "داعش" في قراها الشرقية.


المخرج الذي بدأ بالظهور من خلال أعماله في الدراما التلفزيونية، عرف منذ بداياته بسلاطة الأفكار والصور، وعدم مراعاة الأعراف الديبلوماسية ولا الحساسيات الاجتماعية. إذ تسبب مسلسله "أخوة التراب" العام 1996، بأزمة بين سوريا وتركيا، توازي تلك التي اشتعلت بين البلدين بسبب استضافة سوريا لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، حيث هاجم المسلسل بطريقة فاقعة ممارسات حزب "الاتحاد والترقي" فترة الوجود العثماني، وتضمن أحد مشاهده حرق العلم التركي، ما استدعى حينها اعتذاراً رسمياً من الخارجية السورية، وحذف المشهد من المسلسل.

ورغم أنه أخرج مسلسلاً عربياً بتمويل سعودي العام 2005، تناول أحداث تفجير المجمع السكني في مدينة الخُبَر السعودية، إلا أنه انقلب على ممولي مسلسله "الحور العين"، بسبب موقف المملكة من النظام السوري، فأنتجالعام 2012 فيلم "ملك الرمال" الذي يتناول سيرة مؤسس المملكة العربية السعودية عبد العزيز آل سعود. الفيلم الناطق باللغة الانكليزية، صور أحداث تأسيس المملكة على أنها مجزرة كبرى، لكنه لم يعد على منتجيه بأرباح تغطي أجر ممثل واحد من الممثلين الأوروبيين المشاركين، ولا مشهداً من مشاهد المعارك الضخمة، بسبب الحملة الضخمة التي شنتها السعودية على الفيلم، إذ اعتبرته تشويهاً لتاريخ المملكة ولشخصية مؤسسها، ما حرم الفيلم فرص الانتشار العالمي.

وفي فترة تصاعُد الاتهامات الدولية للنظام السوري برعاية التنظيمات المتطرفة، والدور الذي لعبه في تسهيل دخول الجهاديين إلى العراق بعد غزوه العام 2003، تبرع أنزور بإنتاج مسلسل "وما ملكت أيمانكم"، الذي لاقى استهجانا شديداً من قبل المسلمين المتدينين في سوريا وخارجها. حتى أن الشيخ المقرب من النظام، محمد سعيد رمضان البوطي، طالب بوقف عرض المسلسل، وأفتى بحُرمة مشاهدته، قبل أن يتراجع عن هذا الموقف موضحاً أنه لم يشاهد العمل، إنما سمع عنه فقط.

اصطفاف نجدت أنزور إلى جانب النظام مع بداية الحراك الشعبي العام 2011، لم يكن أمراً مستغرباً، بسبب علاقته الشخصية ببشار الأسد، وعدد من قادته الأمنيين والعسكريين. فمنذ البداية، كان المخرج التلفزيوني المعروف، عنصراً في فريق دعاية يسوق للنظام محلياً ودولياً، سواء بتصريحاته المتكررة الداعمة للنظام وخياره الأمني، أو من خلال مجموعة أفلامٍ تصدى لإنتاجها وإخراجها في السياق ذاته، بمعدل فلم سنوياً منذ 2011 وحتى اليوم.

الانفعالية المعروفة عنه، دفعته في إحدى المرات إلى ملاحقة مساعده بسلاح ناري، بعدما ارتكب المساعد خطأً بسيطاً أثناء تصوير أحد المشاهد، حتى أن معظم النجوم المعروفين في سوريا يتفادون الاشتراك في أعماله بسبب نزقه وسلاطة لسانه. لكن طباعه الشخصية تتجلى بوضوح في أعماله التلفزيونية والسينمائية، إذ يطلق من خلالها مواقفه الحادة تجاه كل من لا يروق له، لا سيما من يتعدّى على المنظومة التي رعته وساهمت في انتشار اسمه، أو حتى ضد من لا يؤيد تلك المنظومة من أعماقه.

منذ ظهوره في التسعينات وحتى اليوم، يتبنى أنزور موقفاً ملكياً أكثر من الملك ذاته، من دون إدراك الحدود التي رسمت للتصعيد ضد الأعداء والخصوم والمهادنين. وفي كل مرة، يتسبب في إثارة زوبعة باستسهاله تقديم أفكاره بشكل مباشر غير منضبط، ما يجبر داعميه على تقديم التوضيحات والاعتذارات لتخفيف وطأة الورطات التي يوقعهم فيها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها