الجمعة 2019/09/13

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

أخوّة إدغار موران

الجمعة 2019/09/13
أخوّة إدغار موران
يعرّف موران الأخوة، أخوّته، بأنها هشة كالوعي، وهشة كالحب
increase حجم الخط decrease
عن الأخوّة، هناك خطابان شائعان. الأول، يعلي من شأنها، والثاني، يحط منه. الأول، يعتقد أنها إيجابية، فردوسية، للغاية. أما الثاني، فيعتقد أنها مصدر جحيمي لصلات، لا تُعقد سوى بالضد مما هو في خارجها. على أن كتيب إدغار موران، الذي صدر مؤخراً عن "آكت سود"، يشق طريقه، وبيسر وبيان، بين الخطابين، بحيث أنه يطرح سؤال "لماذا الأخوّة؟"، من دون أن يعلي ولا أن يحط، إنما بالتصويب والعرض.


على هذا النحو، يفتتح نصه بثلاثية "حرية، مساواة، أخوة"، مشيراً إلى أن "حرية" فيها، بما هي وضع إقتصادي ليبرالي، غلبت وضع "المساواة"، وأطاحته، ما استلزم قوننة الوضعين. لكن هذا ما لا يمكن سحبه على الأخوّة، بحيث أنها، وفي ظنه، لا يمكن فرضها، بل لا بد أنها تنم عن شيء محدد، وهو العلاقة بين الـ"أنا" والـ"نحن"، التي يجب أن تستوي على توازن.

يميز موران بين أخوّتين، واحدة مفتوحة، وثانية مغلقة. الإختلاف الفعلي بينهما هو أن انفتاح الأخوّة، لا ينفي الصراع فيها، أو خلال انعقادها. لكن، وبالتجاور مع الصراع، هناك التضامن، وبالإستعانة بكروبتكين، يبين موران أن الأنواع الأكثر تكيفاً هي التي تتضامن أيضاً، وليست التي تتصارع فحسب. في هذا السياق، ثمة في الأخوّة، إيروس، وهو دافع إلى الترابط، وبوليموس، الدافع إلى الصراع، وثناتوس، الدافع إلى الإنصرام والموت. ولهذا، لا بد من توازن بين هذه الدوافع: "الأخوّة يجب أن تتجدد باستمرار، لأنها، وعلى الدوام، مهددة بالتخاصم".

هذا التجدد، يتمسك به موران عندما يرى في الأخوّة سبيلاً إلى ما يسميه تحضير مستقبل الإنسانية بعدما فتتها هوس الحساب والربح. طبعاً، هي ليست سبيلاً واسعاً، أو بالأحرى يبلغ ذلك التحضير مباشرةً. بعبارة أخرى، "ليس هو الحل"، إنما هو بمثابة بحث عنه، وأول هذا البحث، أو الرغبة فيه على الأقل. فالأخوة تحمِل على بناء واحات، كالمجتمعات الزراعية التعاضدية مثلاً، حيث يتصل أفضل التطور التقنو-إقتصادي بالتضامن والحماية الإجتماعيتين. وهذه الواحات تكفل أن العالمية، وكلما رحبت، تؤدي إلى إنتاج المحلية، التي لا تنفصل عنها، إنما تتعلق بها، ويصير مستقبلهما بلا قلق.

طبعاً، هذه النظرة إلى الأخوّة، فيها، وطوال مكتوبها، ضرب من التفاؤلية، إلا أنها تظل متواضعة، مدركةً حدّها. وهذا لا يعني أنها مُطلَقة، بل تؤكد على نقاط بعينها. في مقدمتها، تطوير أخوّة الواحات وصونها، لا لكي تكون مجرد مكامن مقاومة للتراجع السياسي والإطيقي المعمم. إنما لتكون منطلقات إلى استصلاح علاقة حضارية بين سكان المعمورة. تطوير واحات الأخوة تلك، وصونها، يعني ببساطة، إعادة تجديدها على الدوام بالإتكاء على إيروس ضد ثناتوس. لكن مع التنبه إلى أن إيروس، أحياناً، لا يكون سوى قناع لثناتوس، تماماً كما في التوتاليتاريا. بالفضل عن التنبه إلى الوهم المبهج بكون كل أخوّة هي منه، في حين أنها ليست كذلك باستمرار. إذ أن بوليموس، وبحسبه، يعمل مع ثناتوس في إيروس، تماماً كإيروس الذي يعمل في بوليموس وثناتوس.

ينهي موران كتيبه بتعريف لهذه الأخوة، أخوّته، بحيث أنها هشة كالوعي، وهشة كالحب الذي، وفي الوقت نفسه، يتسم بكونه خارقاً للطبيعة. فبالإنطلاق منها، من الإيمان بها، قد يودي ذلك إلى المغامرة الإنسانية الجديدة، في عالميتها ومحليتها المتصلتين، في مواجهة البربرية المنتصرة. الأخوّة هي إمكان مستقبل أفضل.

يبقى أن إدغار موران، وفي دعوته إلى الأخوّة، يستمر في دعوته الى التفلسف الذي لا يتوقف عن المواظبة عليه في العشرات من كتبه. وبينها، يزاوله عبر حسابه الشهير في "تويتر" الذي يتقن التغريد به.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها