وولدت فكرة المهرجان، عندما لم يجد غوتييه مكاناً للسينما المستقلة في لبنان، ويعني بالسينما المستقلة "الجيل الجديد للسينما". استغرب ذلك نظراً لعدد خريجي السينما الكثر، فقرر إنشاء هذه المساحة السينمائية المستقلة بنفسه. هذه هي الدورة الثانية للمهرجان، وقد كبر بسرعة، نسبة إلى عدد الأفلام المقدمة والذي بلغ 1050 فيلماً من 87 دولة اختير منهم 180 فيلماً.
ما يميز المهرجان هذه السنة شراكته مع جمعية Embrace وتسليط الضوء على الصحة النفسية والتوعية عليها. لذا كان رمز LIFF هذ العام، الممثلة مارلين مونرو، لما تمثله كـ"أيقونة إثارة"، والمشاكل النفسية التي عانتها وانتحارها، ما أثّر في كثر من معجبيها ومتابعيها.
و"ايمبريس" هي الجميعة التي أطلقت أول خطٍ ساخن (1564) في لبنان للدعم النفسي ومنع الانتحار العام 2017. وتؤكد الشريكة المؤسّسة للجمعية والمعالجة العيادية النفسية، ميا عطوي لـ"المدن" أن "المشاركة في المهرجان تؤكد أننا نواجه هذا النوع من المشاكل أو الأمراض في حياتنا اليومية". والصورة مقلقة في لبنان حيث أن واحداً من أصل أربعة أشخاص يعانون مشاكل في الصحة النفسية. وترى عطوي أن المشكلة الأساسية أن الناس ليسوا منفتحين على الموضوع كفاية، بحيث يستطيعون التحدث عنه بصراحة وعلانية لأسباب عديدة، منها أن هذا الموضوع غير مقبول إجتماعياً. وتضيف: "من خلال مشاركة Embrace في LIFF نعزز فكرة أننا نستطيع التكلم عن الصحة النفسية في كافة المجالات الحياتية، ومن ضمنها السينما والأفلام، وأن المخرجين وصنّاع الأفلام، يتناولون المعاناة البشرية والمشاعر الإنسانية في أعمالهم. والمشاهدون عندما يأتون لمشاهدة الأفلام ويرون فيها المشاكل والمعاناة النفسية التي ربما يمرون هم بها، فإنهم أنفسهم يتنكرون لذلك ويبعدون أنفسهم عنها. هنا يأتي دورنا لكسر المفاهيم الخاطئة عن كيفية التعامل مع هذا النوع من الأمراض، خاصة أن المجتمع يعبّر بحرية مطلقة عن أمراضه الفيزيائية والجسدية".
ترى ميا عطوي أن أي نوع من المجالات، سواء الفن وغيره، يستطيع نشر الوعي وتغيير الصورة الخاطئة المتعلقة بالصحة النفسية. ويمكن التعبير عن ذلك في مختلف مجالاته كالرقص والتصوير الفوتوغرافي وغيرها.
"كلنا نعاني ولدينا مشاكل، وهذا هو الوقت المناسب لكي نسلط الضوء على الصحة النفسية العقلية. والهدف منه هو توعية الناس وتغيير مفهومهم لهذه الأمراض للتعبير عن معاناتهم ومشاركتها مع الآخرين لتلقي المساعدة التي يحتاجونها. إذا كانوا خائفين فهم لن يقدروا على الشفاء وذلك لأنهم يشعرون بالذنب أو بالعار وعلينا التخلص من ذلك لنكون مجتمعاً صحياً". هذا ما تؤكده دينيتا ويليامز تريغ، ممثلة منتجة ومديرة مهرجان " A Night of Misfit Films" (الولايات المتحدة الأميركية) والمديرة المشاركة في LIFF.
أتت الفكرة لإدارة المهرجان من البعد الإنساني، وتشرح تريغ: "إذا أردنا أن نتمتع بصحة جيدة علينا التوقف عن الشعور بالعار اتجاه مشاعرنا". وهي تؤمن بأن أي نوع من الفن يجب أن يحمل رسالة، مهما كان نوعه، ففي رأيها: "المبدعون هم الذين يصنعون التغيير في المجتمعات لذا لا تتخلوا عن أحلامكم، إنه خيارنا بأن نغير العالم، نحن المبدعين. لا نستطيع الاعتماد على السياسيين وصانعي القانون لفعل ذلك".
تشدد دينيتا على اختيار مارلين مونرو لما عانته من أمراض نفسية، إضافة إلى نشأتها في ظروف صعبة وحتى في عملها، رغم أنها كانت ممثلة رائعة. تشرح المديرة المشاركة: "الكثير منا يشك في قدراته، ويعاني أفكاراً سلبية، كالتدمير الذاتي وجَلد النفس، ومارلين مونرو، عندما شاركت هذه الأفكار بصوت عال مع العالم، أدرك كثيرون أنهم ليسوا وحدهم".
أما في ما يخص اختيار الأفلام، فقد تمّ وفقاً لمعايير عديدة، منها التقنية، التمثيل، رسالة الفيلم، والناحية العاطفية له. وتتألف لجنة التحكيم من سينمائين ومخرجين وممثلين، هم: الممثلة أندريه ناكوزي، الممثلة كريستين شويري، الناقد السينمائي أنيس تابت، الممثل والمقدم شادي ريشا، المخرج والسيناريست الفرنسي كريستوف ناصيف، دينيتا ويليامز تريغ ممثلة ومنتجة ومديرة مهرجان “A Night of Misfit Films”، المخرج لوسيان بورجيلي، الممثل وسام فارس، وسارة حجّار مديرة مهرجان "Lebanese Film Festival Of France".
وزِّعت الأفلام على لجنة التحكيم حيث شاهدت الممثلة كريستين شويري أفلاماً قصيرة محلية وعالمية وأفلاما وثائقية. وترى أن مهمة لجنة التحكيم ليست سهلة، نظراً لنوعية الأعمال ولتنوعها والمنافسة التي تحصل على مستوى متقدم. وتعتبر شويري أن الشراكة مع "ايمبريس" هذه السنة خطوة جداً مهمة قائلة: "إذ إن الجميع لديه معاركه النفسية الخاصة، بدرجات متفاوتة، التي لا يفصح عنها في معظم الأحيان خوفاً من التصنيف والتأطير الاجتماعيين ونظرة الآخر". شويري، التي سيعرض أحدث أعمالها في مسلسل "حادث قلب" في قناة "أم تي في" قريباً، ترى أنه من الضروري التحدث عن هذه المعاناة والأمراض لما له من تأثير ومتتبعات سلبية. وبرأيها أن الفن له أهمية عالية في هذا المجال لما يسمح به من التعبير عن النفس بمختلف الطرق وأن ترى الآخر أيضاً.
عزة بن عزيز من تونس تشارك عن فئة الأفلام العالمية القصيرة بفيلمها "The Red Moon" والذي يتناول قصة امرأة متزوجة، اكتشفت "خيانة" زوجها لها منذ 20 عاماً. يعالج الفيلم الصراع الذي تعانيه المرأة، بين أن تبقى مع زوجها أو ترحل. وترى أن الفيلم يعالج موضوعاً يمكن أن يحصل لأي كان. تحب في المهرجان استقلاليته وشبكة العلاقات التي يمكن أن يؤمنها وربطه للعالم العربي ببعضه البعض.
المخرجة اليمنية مريم الذبحاني، تشارك بفيلمها الوثائقي الإبداعي القصير "في المنتصف" (In The Middle). تحضر المهرجان مع محمد الجابري، زوجها، الذي هو مدير التصوير والإضاءة والمنتج في الفيلم. وتروي مريم في فيلمها، معاناة علي، خريج هندسة مدنية، الذي كان يحلم ببناء وتطوير بلده لكن الحرب القائمة في اليمن تجبره أن يتحول إلى جندي في نقطة تفتيش. وتعرض الحلقة المفرغة الروتينية للحياة التي يتوه فيها. تمثل حالة علي، حال معظم الشباب اليمني اليوم. ويؤكد منتج الفيلم على صفة الإستقلالية في المهرجان التي جذبتهما للمشاركة وعرض فيلمهما فيه.
تتنافس الأفلام ضمن 17 فئة، كأفلام الأنيمايشين القصيرة، الأفلام الوثائقية المحلية والعالمية القصيرة، Mediterranean Special Award، Diversity Special Award. ويتضمن المهرجان ورشات عمل مجانية وحلقات نقاش.
(*) العروض مجانية، وتبدأ اليوم من التاسعة صباحاً وتنتهي عند الثانية عشرة ليلاً في Station Beirut وتستمر لغاية 15 أيلول 2019 وحفلة الاختتام عند التاسعة مساءً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها