الجمعة 2019/08/30

آخر تحديث: 09:48 (بيروت)

فانسين كوكيبير عن خدعة "الجيل واو"

الجمعة 2019/08/30
فانسين كوكيبير عن خدعة  "الجيل واو"
ليس كتاب فانسين كوكيبير مجرد رصد لسمات الجيل الألفية
increase حجم الخط decrease
ليس كتاب فانسين كوكيبير* مجرد رصد لسمات الجيل الألفية، الذي يُعرف أيضا بـ"الجيل واو" (génération Y)، الممتد من 1980 حتى 2000، إنما هو، ايضاً، وقوف على وهم هذه السمات، ومحاولة البحث في منشأها. فمن المقدمة، يخبر كوكيبير ان ذلك الجيل انتجه لقاء السوسيولوجيا مع الماركتينغ، بحيث ان الأولى ساعدت الثانية على بنائه كخانة موائمة لطُرزٍ جديدة من الاستهلاك.

وبهذا، تبدل مفهوم الجيل بالطبع، بحيث أنه كان وحتى نهاية السبعينات أو ربما بعدها بقليل، لا يزال يتشكل على أساس بعينه، اي بالانطلاق من حدث، يطبع الفئة الشبابية التي تخوضه، وتتطبع عليه، ليصنع طريقة وجودها، وليؤلف منظورها. أما، لاحقا، فصار الجيل يتأسس بحسب الصلة بالسوق، أي، وبعبارة اخرى، بالأغراض، التي يعيش معها، ويعاصرها، وتحيط به، من ماركة عصير إلى مسلسل تلفزيوني، بالإضافة إلى نمط عيش، ونمط تفكير.

ولكن، لا يمكن ضبط "الجيل واو" بشريحة واحدة، فقسمه المولود في الثمانينات غير قسمه المولود في التسعينات، إذ يختلف عنه بكونه اتصل ببعض الحوادث، وهذه حتى لو كانت بقايا ينقلها اهله اليه، ويدمجونه في علاقتهم معها وتصورهم عنها. بالتالي، وحين صار من ذلك الجيل، كان مطلعه الذي لا يمثله بالمطلق لكنه يؤسسه، وهذا، بالاستناد الى كونه متعديا لذلك الاتصال، ولتلك العلاقة، متعدي الحوادث إلى الأغراض، التي كان ابرزها، وفي سياقه، الحاسوب ومعه في ما بعد الافتراض العنكبوتي. على أن القسم المولود في التسعينات، هو الأكثر تمثيلا لجيله، الذي لا حوادث تصقله، بل أغراض، يستهلكها جماعيا. طبعا، كوكيبير يتحدث عن فرنسا، غير ان مد نظريته إلى لبنان ليس عويصا للغاية، لا سيما ان تشييد، أو بالأحرى تجميع ذاكرة التسعينات يحصل من فترة إلى أخرى فيه، وغالبا ما يتبين انها ذاكرة اجتماعية بإمتياز.

بما، يهتم كوكيبير بالقسم الثاني من الجيل واو اكثر من قسمه الأول، لكنه، يؤكد، وحيال القسمين، ان السمات، التي صنعت له، لا تتطابق معه فعليا. فقد قُدم ذلك الجيل بطريقة حددتها في العام 1993 مجلة من مجلات الماركتينغ، التي وجدت انه جيل المستهلك الفرح، الذي يتميز بالوعي، والذي لا يتلافى المشاركة، وبمسؤولية، في كل النضالات الاجتماعية، كما أنه، وفي صعيد مهني، يواصل الانتقال من عمل إلى ثان، ومن مؤسسة إلى أخرى، باحثا عن خبرات متغايرة. الا ان تقديم المنتميين إلى هذا الجيل على هذا المنوال أدى إلى اشاحة النظر عن مشكلات المنتميين اليه، وعلى رأسها انعدام ثباتهم على العموم، أكان في وضعهم الاقتصادي، الذي يتسم بالتجمد في التدور أو التجلد المعيشي، أو في وضعهم الاجتماعي، الذي يتسم بالتفتت ثم صعوبة لحمه، أو في وضعهم النفسي، الذي يتمحور حول الانتضاب (burn-out). بالإضافة ايضا إلى تحملهم مآزق عالمية، لا يمكن أن يصلوا إلى حلها بالاكتفاء بتبني طريقة عيش وتفكير ذاتية بعينها. بالتالي، هم، فعليا، مكرهون على تجييلهم من قبل الماركتينغ، وهذا التجييل يطيح بأن يكونوا على بينة من أوضاعهم بعيدا منه، ولذلك، لزم فكهم عنه، أو، وعلى الاقل، أن يدركوا انها ليست من خلقهم.

لا شك أن كوكيبير هنا هو بمثابة ناقض لخطاب التجييل من باب انه اداة من أدوات الماركتينغ المتقادمة، وهذا، في الواقع، ما يصيب في الكثير من جوانبه، داعيا إلى الانصراف منه، اي إلى حديث يكون مضادا للتقسيم الجيلي، ولا يؤلفه مثقفو اليسار، لأنه حينها لن يسمعه احد. وفي السياق نفسه، يشير إلى أن الماركتينغ الجديدة تحاول أن تحقق هذا الانصراف، ومعه حديثه، بحيث أن مؤسساتها لا تريد الاستمرار في النظر إلى المستهلكين بالانطلاق من كونهم أجيال، بل من كونهم يشكلون "طوائف انفعالية" تعبر الحدود الطبقية، والهوياتية على انواعها، بينهم. وفي النتيجة، الماركتينغ ستجعل من اللا-تجييل سلاحها أيضا.

*Vincent Cocquebert, Millennial Burn-Out: X, Y, Z.. Comment l'arnaque des "générations" consume la jeunesse. Éd. Arkhé.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها