الخميس 2019/07/25

آخر تحديث: 13:00 (بيروت)

فاروق الفيشاوي.. اكتملت وسامته فرَحَل

الخميس 2019/07/25
فاروق الفيشاوي.. اكتملت وسامته فرَحَل
رفَض العلاج على نفقة الدولة.. وهو ما اعتبره البعض موقفاً سياسياً
increase حجم الخط decrease
التعاطف مع مريض لم يكن سببًا رئيساً في التلقي المدهش لإعلان فاروق الفيشاوي إصابته بالسرطان في أكتوبر الماضي. بل هي لحظة جعلها الصدق برّاقة. الثقافة العربية لم تر مثلها من قبل. الاكتمال نهاية، وكان لدى الجميع أمل في ألا تكون تلك هي لحظة اكتمال حكاية أحدهم.

لمعة الحضور رِزق من السماء. غير أن تلك اللمعة، في مستوى معيّن، لن تأتي سوى بتألق وجه مهم من وجوه الصدق. وأصعب وجوه الصدق يأمل تحقيق الاتساق مع النفس. هذه مسألة يسعد بها قليلون. كان من الممكن ألا تجد الطريقة التي أعلن بها فاروق مرضه، مكانها هذا في قلوب زملائه وجماهير السوشال ميديا، لكنها وجدت طريقها ممهدًا بسبب تراكم تعامله مع محطاته الصعبة، ومعطيات أنتجت ألقًا إنسانيًا.

الصدق ضبط نبرة صوته يوم تكريمه في افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي. لم يبدُ مؤديًا لبطولة غائبة، ولم تبدُ كلماته إنشائية رغم تقليديتها. الكلمات تزول عنها صفة الاستهلاك عندما تكون محسوسة: "وبالعزيمة وبالإصرار، سأنتصر على هذا المرض. سأهزمه. وهاجي الدورة الجاية الـ35 لمهرجان الإسكندرية عشان أقول لزميل آخر أو زميلة أخرى: مبروك على التكريم". لكنه لم يستطع. رحل فجر اليوم بعد رحلة علاج لم تُكمل العام.

طوال الوقت كان فاروق من قلائل يعرفون أن قيمتنا كبشر يفسدها ارتداء قناع الملائكة. عاش يتحدث عن كبواته وأخطائه بحُب، فتحولت حكاياته النزقة إلى مغامرات وقصص لطيفة قد تجد من يحسده على المرور بها، وخروجه من المؤذي بينها مبتسمًا. قصص تصلح لكل شخص ترك نفسه للدنيا وأحبها فأحبته. تبدو سهلة، ولكن كم منّا محظوظ بتدليل الدنيا؟

فاروق:
"بعيدًا من المرض، اتضح إنني مصاب بمصاب آخر، لكنه مهم وجميل. اكتشفت إنني مصاب بالحب. حب زملائي. حب أبناء مهنتي. حب جمهور كبير جدًا جدًا وقف جنبي منذ بدأت، حتى هذه اللحظة. ومازال عندي الكثير والكثير لأقدمه لهذا الجمهور. يمكن أيام الشقاوة كدت أن أخذل هذا الجمهور، لكن وقوفه جنبي دفعني إلى أن أقف مرة أخرى وأعود احسن من الأول". أنت، في الغالب، عندما تحب أخطاءك، سيغفرها الآخرون في الغالب، إن لم يحبوها معك.

بعد هذه اللحظة بأيام، أعلن فاروق الفيشاوي خبرًا جديدًا. قال إنه رفض العلاج على نفقة الدولة. قد يعتبره البعض موقفًا سياسيًا، ذلك أنه، وإن لم يرتد قبعة المناضل، كان على الجهة الأخرى من نظام الحكم الحالي ولو بانسيابية. تلك المعارضة الهادئة التي لا تدعو لإسقاط النظام، لكنها تتعلق بقشّة الديموقراطية ولو كانت وهمًا، وظهر أكثر من مرة بين صفوف المناصرين لحمدين صباحي في أولى انتخابات الرئاسة التالية على يونيو 2013. مع هذا، لم تكن فرصة للمزايدة أو الهتاف، لا متاجرة بالمرض ولو في أبسط الصور. لم يعلن رفضه هذا حتى سُئل.

قال إن وزيرة الصحة "مشكورة" طلبت أوراق التحاليل والأشعة لتتولى الدولة مصاريف العلاج: "شكرت اهتمامها لإني مستور وأستطيع تحمل تكاليف العلاج، وأفضل أن يستفيد بهذا شخص آخر لا يستطيع تحمل التكاليف".

ربما أن التاريخ السينمائي والدرامي المصري يمتلئ بأسماء يحول بعضها بين فاروق الفيشاوي وبين لقب "الممثل الأفضل"، إلا أنك تستطيع بارتياح، وعبر ذلك التاريخ نفسه، أن تراه يعبّر عن نموذج الفنان "الأجمل". ذلك لا يعني أنه في مرتبة متأخرة، لكن هذه سطور تحاول أن تشبهه، أن تكون صادقة غير منسحبة وراء "أفوَرة" عاطفية لم يحبها لنفسه.

زملاء فاوق الفيشاوي يخبرون كيف كان يستَعيِب أن يمنع المرء نفسه عن التمتع باللحظة الحُلوة، حتى النَّفَس الأخير. وفي لقائه مع منى الشاذلي، في ظهور أول بعد إعلان المرض، قال ممازحاً إن علاجه، الذي سيُجرَّب في مصر للمرة الأولى، يستدعي الالتزام ببعض العادات الصحية عمومًا، وابتسم. قلت في نفسي "هايسيب السرمحة شوية"، وقال: "باعرف أتحمل المسؤولية، بس لما أكون عايز"، وضحك. قالت المذيعة بعفوية: "يا بختك"، وأنا فكرت في كيف يُكمل المرض وسامة أحدهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها