الخميس 2019/07/25

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

كنيسة لبنان تحتاج مُخلِّصها

الخميس 2019/07/25
كنيسة لبنان تحتاج مُخلِّصها
المسيح بريشة ليوناردو دافينشي
increase حجم الخط decrease
لا تحظر الكنائس المسيحية على تنوعها أوروبياً وأميركياً أي نقاش حول الجنسانية في داخلها، بل أن عدداً منها مضى إلى تحويله مبحثاً، موضوعه يسوع المسيح، من أجل الابقاء على كونه قد أتى "ليخلّص، لا ليدين العالم" الذي لا تحتكره هوية أو وجهة جنسية واحدة دون غيرها. 

في العام 2012، ومن أجل أن يؤكد على المسيحية حصناً للدفاع عن المقموعين بسبب مثليتهم الجنسية، وهم لطالما كانوا عرضة للاضطهاد من قبل مؤسساتها، قرر بول اوسترايكر تقديم اعتذار لهم، محولاً عظة الجمعة العظيمة في ويلينغتون إلى خطبة عن آلامهم. يومها، نشر نصاً في "الغارديان" تناول فيه جنسانية يسوع المسيح، وقد ختمه هكذا: "أن يكون يسوع المسيح مثلياً أو لا، فهذا لا يغير شيئاً في ما كان أو ما يدل عليه في عالم اليوم. روحياً، هو كائن غير مادي. المهم، أن الكثير من أنصار المسيح، أكانوا متدينين أم علمانيين، هم مثليون ومثليات، وعلى الرغم من الكنيسة، سيظلون أوفياء له". لكن نص اوسترايكر، ليس نصاً يتيماً طبعاً. فإلى جانب مؤلفات أخرى لهذا الكاهن، الذي كان من رواد "مَركَسة" المسيحية (مقاربتها بأفكار كارل ماركس)، ثمة مكتبة بأكملها، عمدت إلى إنتاجها التيارات الانعتاقية التي صعدت في قلب الكنائس على تنوعها منذ ستينات القرن الماضي. 

من جماعة العلامة جاك ايللول، الذين كان البعض من شبيبتها قد انخرط في "الجبهة المثلية للعمل الثوري" بفرنسا، قبل مغادرتها بسبب الخلاف مع أعضائها على العنف، إلى مجموعات اللاهوت النسوي، وعلى رأسها مجموعة آن سوبا الكاثوليكية المتحررة، ومجموعة الشهيرة دوروتي ستيفنسكي التي دعت ذات مرة إلى الإيمان بالله بطريقة ملحدة. بالاضافة الى ذلك، لا يمكن نسيان مانيفستو بوب غوس حول فتح المسيحية لكل المختلفين جنسياً، وقبله، أعمال الأخت كيتريدج شيري، التي لا تزال حتى اليوم تناضل من أجل قراءة كويرية (lecture queerisationnelle) للإنجيل. هؤلاء، وغيرهم كثرة، يشتركون في أمر معين، وهو نقض النظرة الطاغية إلى المسيح بوصفه "رجلاً مغايراً جنسياً"، بحيث أن توجهه الجنسي ليس محدداً بشكل قاطع، يستبعد سواه، ويستعبده أيضاً.

فبإطاحة هذه النظرة الجامدة، تصير المسيحية، ديناً وكنيسة، بمثابة مخيلة وفضاء للمقهورين والمظلومين والمهمشين نتيجة اختلافهم. على أن هؤلاء، أيضاً، يشتركون في أمر ثان، يتصف بكونه راهناً، مثلما أنه مناسبة الحديث عنهم: انقطاع الكنيسة في لبنان عن جهادهم، ومكتبتهم، وبعبارة واحدة، ممانعتها لحراكهم المتواصل عالمياً. مردّ ذلك، أنها، وأسوة بكل الأوساط في نظام بلادها، من السياسة الى الإعلام، ومن الثقافة إلى الاقتصاد، لا تتوقف عن التأكيد على كونها تنتمي الى زمن بعيد وظلامي، لا صلة له بما يسمى اقتضاباً "حالات العصر ومآلاته"، كما لا صلة له بالتأقلم مع تلك الحالات والمآلات. طبعاً، هذه سمة من سمات موتها، الذي تسعى إلى نفيه عبر التمسك بإشاعة كونها سلطة، أي بأنها تقلب العبارة التي كان يرددها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير "في كلامه الخفيض والقليل، مخاطباً نفسه" (بحسب وصف وضاح شرارة)، قائلاً: "مَن نحن ليجوز لنا مثل هذا؟"، إلى "يجوز لنا ما لا يجوز لغيرنا!". وذلك مع أن شروط فعلها هذا، ومعه تصوّرها عن نفسها، ما عاد له أي محل من الإعراب سوى اعراب كل جسم حزبي، شعبوي ومتطرف، يمدها بقوة من "جمهوريته" أو من "لبنانه" أو من "دولته"، وكلها اسماء لأوهام يجلبها، وبإذن دويلته، من دورته الطائفية المنصرمة.

لكن، ولكي تنفي الكنيسة وضعها هذا، وهو وضع ينتشر في بلادها، أي وضع الميت المستقوي، تشجع حديثاً مغبراً وغابراً عنها، حديث نكراني وليس إلحادياً البتة، يتصف بكونه لا يزال، وبعصبية مطابقة لعصبيتها في أثناء سكرات منيّتها، عالقاً في استفهام: "هل الله موجود أم لا؟"، وهو لا يتوقف عن التخويف منها، محققاً مرادها، الذي يفيد بأن تصير هَلِعة، أي لاحقاً: بطّاشة. مثلما أنها، وفي الوقت نفسه، تفتش عما تشير إليه على أساس أنه مهددها، أو مهدد المؤمنين الذين تتطلع إلى انتاجهم على هزلٍ. وهو هزل لا يشكل سوى علامة على أن الإيمان الذي تبغيه منهم، ليس سوى نقيضه، أو بالأحرى بطلانه.

بيد أن آخِر مُهدّد خطلت في تحديده كان فرقة "مشروع ليلى" التي تريد منعها، أو بالأحرى مطاردتها ورجمها نتيجة "شذوذها الجنسي" على قول كاهن يكمم أصوات أغياره التنويريين، فقط لأنهم يدركون أن الموت يلحقه نعيٌ ودفنٌ، وليس مكابرة واعادة إحياء مبتذلة. وفي هذا، يرتكز على نبرة شبيهة بنبرة ذلك الكاهن الذي تحتل شخصيته أفلام الرعب في درجاتها العاشرة، اذ لا صليب ينزل على كتفه، ولا رب ينطق من فمه، إنما يسكنه نزوع إلى التدمير والغصب، لأنه، وببساطة، ليس شيطاناً ولا ملاكاً، بل مجرد "زومبي" انتهت صلاحيته، وما عاد نافعاً، حتى كتُراث!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها