الإثنين 2019/07/15

آخر تحديث: 14:17 (بيروت)

لكل مدينة مهرجان.. ولكل مهرجان سيدة

الإثنين 2019/07/15
لكل مدينة مهرجان.. ولكل مهرجان سيدة
السيدة نورا جنبلاط: الضرائب تشكل 35% من سعر البطاقة
increase حجم الخط decrease
مع انطلاق مهرجانات الصيف، في أكثر من مدينة لبنانية، يمكن رصد جزء من المشهدية السائدة في طقوس المهرجانات وتقاليدها ودورها ومبتغاها ورعاتها وحتى جمهورها، سواء في السياسة أو الثقافة أو الاقتصاد أو السياحة. فالمهرجانات انطلق أولها في منتصف الخمسينات، بدعم من الرئيس كميل شمعون وبمشاركة زوجته زلفا شمعون، وكانت جزءاً من البروباغندا الشمعونية في مرحلة ما بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي وتحول لبنان "واحة" في محيطه العربي. لاحقاً، صارت المهرجانات جزءاً من ركائز "ثقافة الجمهورية اللبنانية" وأساطيرها (جبران خليل جبران، الندوة اللبنانية، فيروز، بعض المطبوعات الثقافية)، قبل أن تسقط الهالة الكبرى وتفرخ المهرجانات في زمن جمهورية الطائف، إذ بات لكل مدينة مهرجانها (بعلبك، بيروت، زحلة، جونية، طرابلس، صيدا، صور، بيت الدين، جبيل، اهدن، بشري، جزين، بكاسين، البترون، القبيات، دير القمر..)، من دون أن ننسى البلدات والقرى والدساكر التي تنظّم مهرجاناتها المحلية... 

ورغم كثرة المهرجانات، وأهمية الأسماء العالمية والعربية التي شاركت وتشارك فيها، نلاحظ فيها نوعاً من النوستالجيا لزمن الستينات أو ما يسمى "الزمن الجميل". كأن الماضي "كيتش" يصعب الخروج منه الآن. وربما يكون تفريخ المهرجانات مشابهاً الى حد ما "الحداثة السائلة" التي تحدث عنها زيجمونت باومان. فإذا اعتبرنا مرحلة الحداثة الصلبة هي مرحلة الإنتاج والتطور الذي تتحكم فيه الدولة وتكبح جماح الأفراد لصالح المجموع، فإن مرحلة السيولة هي مرحلة تخلي الدولة عن هذا الدور وفتح السوق أمام رأس المال الحر والاستهلاك والتحديث المستمر الذي لا غاية ولا هدف له إلا المزيد من الاستهلاك والإشباع الفوري والمؤقت للرغبات. وهي، في جانب ما، تشبه "ضياع الهالة" الذي تحدث عنه فالتر بنيامين...

وعدا عن أن لكل مدينة أو بلدة مهرجانها، فلكل مهرجان سيدته (باستثناء بعض الذكور مثل امين أبي ياغي في مهرجانات "أعياد بيروت" وهي بزنس فني). وغالباً ما تكون السيدة زوجة سياسي أو مشروع سياسي أو رئيس بلدية، بدءاً من نورا جنبلاط زوجة الزعيم وليد جنبلاط والتي تدير باحتراف مهرجانات بيت الدين، مروراً برندة بري زوجة رئيس مجلس النواب نبيه بري وسيدة مهرجانات صور، وصولاً الى ريما (قرقفي) فرنجية زوجة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية التي تتولى موسم اهدنيات، وسلمى اديب زوجة اللواء المتقاعد والوزير السابق أشرف ريفي في طرابلس، ولمى سلام زوجة رئيس الوزراء السابق تمام سلام في "مهرجانات بيروت الثقافية"، والنائب ستريدا طوق زوجة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مهرجانات الأرز الدولية... وعلينا أن نثني على اندفاعة النساء في هذه المجال، فهن يكسرن روتين السائد...

وكل مهرجان قناع لسياسة، أحياناً يكون إنمائيا سياحياً، ومرات قليلة ما هو إلا تقليد سنوي تتولاه جمعيات وسيدات بتمويل من بعض رجال الأعمال، ومرات كثيرة يتحول "في خدمة القائد والسلطة السياسية؟!" كما عبّر الزميل سعد كيوان. فيجلس القائد في الصف الأمامي، ليخرج في اليوم التالي متحدثاً عن الوجه الحضاري الذي صنعه. في معظم الأحيان، المهرجانات هي "بزنس" نجوم، مثل المسلسلات الرمضانية، وتكمن المنافسة في جذب الأسماء العالمية التي قد تكون أحصنة خاسرة... 

جزء من المهرجانات الصيفية، فرصة سنوية لبعض الأسماء الشعبية والرومانسية، مثل وائل كفوري، كاظم الساهر، كارول سماحة، ناصيف زيتون، ملحم زين (يحاول ان يقدم هذه السنة حفلة مختلفة مع شربل روحانا في جبيل)، وحتى بعض الموسيقيين مثل زياد الرحباني ومارسيل خليفة وغي مانوكيان وميشال فاضل. على أن المهرجانات القائمة على "البزنس" قبل كل شيء، لم تتحول فرصة لصناعة فنون محلية. فمن بين عشرات المهرجانات اللبنانية، هناك أسماء ضئيلة تبحث عن دورها، ووجدت لها فرصة في المهرجانات الضخمة، وهذا موضع تساؤل كبير. فحتى عندما نلاحظ انتقاء اسماء جديدة، نكتشف "القطبة المخفية" في الانتقاء سريعاً. اختيرت ياسمينة جنبلاط لتفتتح مهرجانات بيت الدين مع غابريال يارد، وبدت في البداية خطوة مختلفة، لكن في الواقع هي مجرد خطوة تقليدية، فياسمينة هي حفيدة المطربة السورية أسمهان، مغنية شابة تخصصت في علم النفس قبل أن تأتي الى الغناء... ومن دون مقدمات اختير عمر الرحباني ليقدم حفلة، وهو من الجيل الثالث لآل الرحباني، ولا ضرورة هنا للبحث عن سر الاختيار...

وللمهرجانات مسار، بين هبوط وصعود ومجد وفراغ. وإذا كانت مهرجانات بعلبك وبيت الدين وبيبلوس، قد حافظت نسبياً على حضورها، باستثناء موجات الحرب وتأثيرها (سواء الحرب السورية أو حرب تموز 2006)، فالمهرجانات الأخرى أحياناً تكون شكلية. خفت بريق مهرجانات صور منذ سنوات، ولم تفلح سلمى أديب في تكريس مهرجانات طرابلس حتى الآن، وتحولت مجرد روتين ولزوم ما لا يلزم. وتحاول ستريدا جعجع أن تكون "محورية"، لكنها حتى الآن ما زالت تعتمد على صخب النجم الواحد، شاكيرا في العام الماضي، وآندريا بوتشيللي هذا العام، وهذا الموسم مزجت بين "عظمة الأرز" وابتذال الفرقة المسرحية التي نقلت كلامها السوقي من التلفزيونات اللبنانية إلى أروقة مهرجان ستريدا جعجع.. فهل هذا هو المسرح؟ هل كان ضرورياً جمع هذا الكم من فناني برامج الترفية التلفزيونية؟

***
كثيراً ما يطرح السؤال حول المهرجانات ومردودها المادي، إلى جانب المعنوي والسياسي. إذ كيف لمهرجانات لها جمهورها العريض، وتبيع البطاقات أحياناً بأسعار خيالية، أن تتحفنا لجنتها في كل موسم بـ"النق"، وترفع الصوت، بـ"أنها مهددة"، ومَدينة للمصارف، والدولة لا تدفع المستحقات... هذه السنة زادت وتيرة "النق"، مع تقليص الموازنة العامة في الجمهورية اللبنانية، ومع تقلص أعداد السياح العرب، وكثرت الأصوات النيابية والسياسة التي تهاجم رعاية المهرجانات من وزارات الاتصالات والثقافة والسياحة أو من مصرف لبنان أو بعض المؤسسات... من يدخل في التفاصيل، يجد أن أموال المهرجانات، مسرحية "شي فاشل". فهي، وإن كانت فرصة لبعض نجوم الملاهي لتقديم حفلات وحصاد غلة، سنجد في المقابل سياسة الدولة التي تقدم المساعدات المالية لمهرجانات معينة بطُرق انتقائية وعشوائية، وفي الوقت نفسه تتقاضى ضرائب بطريقة تعسفية. في أكثر من مناسبة كشفت نورا جنبلاط أن الضرائب باتت تشكل حوالى 35% من سعر البطاقة. والمتوجبات تدفع سلفاً، وإلا حُرمت إدارة المهرجان من الحصول على تأشيرة دخول للفنانين الأجانب. أما الاموال التي يقرها مجلس الوزراء للمهرجانات، فتلزمها سنة أو سنتان حتى تُدفع. وفي مواضع أخرى، تشكل أموال البلديات فرصة لإقامة مهرجانات ترفيهية، قد تبدل أحوال المناطق وتجلب السياح والوافدين، في زمن باتت فيه تركيا أقرب الى اللبنانيين من وسط بيروت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها