الأحد 2019/07/14

آخر تحديث: 12:08 (بيروت)

كوزيت شديد:تجربة نضجت بالجنون والضحك وعدم الإكتراث

الأحد 2019/07/14
increase حجم الخط decrease
بدأت كوزيت شديد الغناء في "مترو المدينة" العام الماضي، بعد سنوات من دراستها الغناء في الكونسرفتوار، وعملها في المجال الترفيهي مع شركة "كاتس بروداكشن" التي تنظم حفلات، وقدمت معها عشرات الحفلات خلال الأعوام الثلاثة الماضية. تجربتها الأولى مع "مترو المدينة"، كانت استعادة لأعمال جورجيت صايغ، وقد لاقت نجاحاً بسبب ملاءمة الأغاني لصوتها الإنسيابي والدافئ، قبل أن تنتقل إلى مساحة أكثر تحررا وجنوناً في عرض "ديسكوتيك نانا"، الذي أظهرها بشكل مغاير عن الكلاسيكية التي اعتادت تقديمها. أما في حفلاتها المقبلة (16 و24 تموز) فتستعيد شديد أغاني ليلى مراد السينمائية التي، توفق بين الطرب والنغاشة وفق كلامها، ويفترض أن تظهر فيه أمكنة جديدة من صوتها لم نسمعها خلال العرضين الاولين.
 هنا شهادة لكوزيت هي الحلقة الثالثة من سلسلة شهادات لـ"المدن" مع فناني "مترو المدينة"، تستند على مقابلة أجريتها معها وأعدت صياغتها مع إضافات بسيطة لتشكل سرداً متسقاً. 

لا يزال لدي الكثير من مقاطع الفيديو التي تظهرني خلال طفولتي وأنا أرقص مندمجة وسط ناس يصفقون لي. بمجرد أن أرى كاميرا في عرس أو حفلة، كنت أبدأ بتقديم وصلة راقصة. بعض الموسيقيين قالوا لأمي أني أهز خصري و"أخلع" على الإيقاع، وأمتلك أذناً موسيقية، تخولني التطور بسرعة في حال اشتغلوا عليّ. حتى إني في إحدى الفترات كنت أريد أن أقدّم على استديو الفن، لكن إغلاقه النهائي حال دون ذلك. 
مع الوقت، اختفى حلم الرقص نهائياً لسبب أجهله، وحل مكانه حلم جديد هو الغناء. البداية كانت مع أستاذ من مدرستي في عجلتون، أخبر أمي بأني أمتلك موهبة في الموسيقى ويجب أن تشتغل عليّ. دائماً يلعب بعض الأشخاص دوراً في دفعنا، ولا تفارقنا كلمات تشجيع قالوها لنا. من هؤلاء أيضاً معلمة صارت تختارني لأكون المغنية الرئيسة في الحفلات المدرسية التي، كانت تنظم في المناسبات مثل عيد الأم والإستقلال. في كل حفلة كانت تحفّظني أغنية. مرة لماجدة الرومي ومرة أخرى لداليدا وغيرهما، وقد ساعدتني الحفلات هذه على تخطي رهبة المسرح وتمهيد الطريق لي للفترة اللاحقة.

لكن الموسيقى لم تكن موجودة في منزلنا. ربما أغاني فيروز في الصباح خلال ذهابنا إلى المدرسة من ضيعة أمي، غبالة (فتوح كسروان) إلى عجلتون، وأحياناً وديع الصافي بالإضافة إلى ما يقدمه التلفزيون من أغانٍ تجارية. أمي تحب الشعر والزجل مثل والدها الذي كان يمتلك موهبة الإرتجال. ربما هذا لعب دوراً في إبقائي قريبة من جو الغناء اللبناني والجبلي. كنت خلال مراهقتي أسجل الأغاني التي أحبها على ميلودي وروتانا بواسطة كاسيتات. أتذكر بشكل خاص ديانا حداد وآلين خلف ونجوى كرم التي كنت أحب صوتها الجبلي العريض. في سنوات لاحقة، صرت أسمع أحياناً ماجدة الرومي وبعض أغاني فيروز السهلة، وأتذكر أن المعلمة حفظتني مرة أغنية وردة "في يوم وليلة"، لكن لم يكن لديّ فكرة أكثر من ذلك بسبب غياب أشخاص قريبين مني لنصيحتي وماذا يجب أن أسمع. 
عند إنهائي المدرسة، دخلت الكونسرفتوار والجامعة. كنت مقتنعة أني لا أريد لأحد أن يتحكم فيّ، وأن الفن بالنسبة اليّ هواية فقط لن أعتاش منها. درست السينما والتلفزيون في جامعة الكسليك، وصنعت فيلم تخرجي عن موضوع الغناء. المشكلة في هذا الإختصاص أني كنت أرى موقعي أمام الكاميرا وليس خلفها، لذلك بعد تخرجي وجدت الحل أن أشتغل في المونتاج، الذي لا أزال أمارسه حتى الآن.

بعد وقت قصير من بدء الجامعة، أخبرتني صديقتي أن هناك شخصا افتتح مطعماً ويبحث عن من يغني مجاناً. وافقت مع أني لم أكن أعرف شيئأ في الموسيقى أو المقامات، ولم يسبق لي أن غنيت في حفلة مع موسيقيين. النتيجة أتت تعيسة جدا ومحرجة لي، لكن كنت سعيدة بأني جربت الغناء في حفلة حقيقية. بعد وقت من الدراسة في الكونسرفتوار تحسنت تقنياً وصرت قادرة على الأداء بشكل أفضل. عملت خلال تلك الفترة مضيفة أعراس، ثم لاحقاً نادلة ليس من أجل النقود بل لاني لم أرد البقاء في المنزل في نهاية الأسبوع، بالإضافة لرغبتي العارمة بالتواجد مع الناس والتكلم معهم. ساعدني عملي على إيجاد أمكنة أغني فيها بشكل دوري وبخاصة في المناسبات مثل عيد الحب أو عيد الأم والميلاد. كنت أحب فكرة أني أعمل نادلة في النهار لكن لديّ حياة مختلفة ومثيرة في الليل. عملت بمفردي لفترة، وقد مكنني مدخولي الثاني من التحكم بعدد الحفلات ووتيرتها وعدم الإرتباط بشكل أسبوعي مع مطعم. أكثر ما كنت أكرهه هو رؤية اسمي على ملصق يدعو الناس لمشاهدتي كل ليلة سبت! 

تعرفت بعدها على منال ملاط وشركة "كاتس بروداكشن" التي تنظم الحفلات. نقلتني الشركة إلى مستوى أكثر احترافاً في المجال، وسافرت معها إلى مصر والخليج وإيطاليا – معرض ميلانو الذي مثلنا فيه لبنان مع وزارة الإقتصاد. بشكل عام ريبرتوار الأغاني التي كنت أقدمه لفنانين لبنانيين وبدرجة أقل لمصريين، يتنوع من الأغاني الطربية إلى الدبكة والفيروزيات.


خلال الفترة الأولى من التعلم الكونسرفتوار شعرت أن هناك عوالم بأكملها لا تزال مجهولة بالنسبة اليّ. لم أكن قد تمرست في الغناء ولا في تقديم الحفلات. صرت أسأل كثيراً وأشارك لتعويض الفارق. المشكلة كانت أني دخلت المعهد في عمر متأخر، وتدني ثقافتي في الموسيقى الشرقية أعطى فكرة خاطئة عني. أكثر من شخص نصحني بالغناء الغربي وبأن الشرقي صعب عليّ. كنت أجد تلك التعليقات جارحة، فأنا لم أكن أحب الغناء الفرنسي والإنكليزي، ومشكلتي في عدم التقاط الربع نوتة أتت بسبب ظروف معينة، أدت لعدم تشبع أذني بالموسيقى الشرقية ولا أتحمل مسؤوليتها.


ساعدني أحد أساتذة المعهد كثيراً منذ السنة الأولى لتخطي الضغط. أحب إصراري على الموسيقى الشرقية وصار يعطيني أغاني أسمعها وأحفظها لأغنيها معه في الإستديو. كان يقول لي إني من "يمّه"، وذكية وألقط بسرعة وأمتلك صوتا راقيا. لم تفارقني كلماته وقد ساعدني فعلاً على الإستمرار بعكس أساتذة آخرين يجيدون تحطيم التلاميذ أكثر من تشجيعهم.

صرت أمضي يومياً ساعات بـ"البحبشة" والسماع على يوتيوب. أزلت كل الأغاني التجارية عن هاتفي، بدلتها بأغانٍ نصحني بها لأم كلثوم وليلى مراد وآخرين. بدأت أنتبه أيضاً لما أسمعه على الراديو، واصبحت إذاعة جبل لبنان التي تبث أغاني قديمة وبشكل خاص من فترة الثمانينات، محطتي المفضلة. 
عندما أتيت إلى "مترو المدينة" للمرة الأولى، لأشاهد عرض شانتال بيطار "يا نايم وحد الدايم" الذي يستعيد أجواء رمضان في حارات الشام القديمة، رأيت أن المكان هو خطوتي التالية، "وجدت نفسي" كما يقولون، وقلت هذا ما أريده: جمهور يريد السماع، ولا يسألني طوال وقت الحفلة "متى سأولّع الجوّ". استغرب بعض اصدقائي، عملي في الحمرا، وأني قطعت كل تلك المسافة للذهاب إلى مكان شعروا فيه أنهم غرباء في المرات الأولى، وكان بإمكاني الإستعاضة عنه بمكان أقرب.

عرضي الأول كان استعادة لأغاني جورجيت صايغ، مع أني كنت أريد شيئاً أثقل مثل الموشحات أو القدود التي سمعتها في عرض "يا نايم وحد الدايم". لكن بعد العرض وبسبب كمية التعليقات الإيجابية التي سمعتها، غيرت رأيي وشعرت أن هشام جابر وضعني في إطار يشبهني وأن الأغاني تناسبني. في العرض الثاني "ديسكوتيك نانا"، لم أكن مرتاحة كثيرا للغرابة التي وجدت نفسي فيها، فأنا من بيئة كلاسيكية غير معتادة على هذا النوع من الجنون، ولم يسبق للجمهور أن شاهدني في إطار مسرحي. كنت خجولة وخائفة لكن قبل العرض كان مختلفاً عما بعده، فكمية الجنون والضحك وعدم الإكتراث أدت مفعولاً إيجابياً. كنت في صورة حقيقية موجودة داخلي لكن لا أظهرها سوى للناس القريبين مني. وكان للعرض آثار علاجية وعلمني عدم الإكتراث، وبفضله أصبحت طبيعية أكثر على المسرح، أتحرك وأغني بشكل أفضل، وبإمكاني توظيف اللغة الجسدية لخدمة الصوت والعكس أيضاً. صرت أنتظره كي أعيد اختبار المشاعر التي يقدمها والراحة النفسية التي أخرج بها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها