الجمعة 2019/07/12

آخر تحديث: 12:24 (بيروت)

"بريتش بتروليوم": الفن والتمويل

الجمعة 2019/07/12
"بريتش بتروليوم": الفن والتمويل
ضد الفساد البيئي
increase حجم الخط decrease
تقدم ثمانون فناناً، من بينهم خمسة من الحاصلين على جائزة تيرنر- الأهم في الفنون التشكيلية في بريطانيا، بخطاب إلى غاليري البورتريه الوطني في لندن، بداية الأسبوع. ودعا الموقعون إدارة الغاليري إلى قطع علاقتها بشركة "بريتش بتروليوم"، لأسباب أخلاقية تتعلق بعدم التزام الشركة بوعودها بخصوص الحفاظ البيئة.

وكان الخطاب جزءاً من حملة واسعة ضد الشركة، وعلاقة المؤسسات الفنية والثقافية بشركات البترول بالعموم. فقبل شهر، استقال الممثل الإنكليزي، مارك ريلانس، من فرقة شكسبير الملكية، اعتراضاً على توقيعها عقداً أصبحت بموجبه الشركة أحد الرعاة الرسميين للفرقة، وكان ريلانس قد أشار في خطاب الاستقالة إلى أن العقد يسمح للشركة بـ"تغطية الطبيعة التدميرية لأنشطتها"، وأنه "لا يود أن يرتبط اسمه باسمها". وفي شباط/فبراير هذا العام، احتل مئات من المحتجين مبنى المتحف البريطاني للاعتراض على قبول المتحف تمويلاً من الشركة نفسها. وقبل شهر، وجه عدد من الفنانين خطاباً إلى غاليري البورتريه الوطني، يطلب فيه قطع علاقة الجائزة السنوية للغاليري مع شركة "بريتش بتروليوم"، والتي حملت الجائزة اسمها خلال العقود الثلاثة الماضية. ولاحقاً، اعترض العشرات من المحتجين على مراسم تسليم الجائرة. وأمام مبنى الأوبرا، في لندن، الثلاثاء الماضي، اعترضت تظاهرة، عرض "كارمن"، ورسم المحتجون بأجسادهم "خطاً أخلاقياً أحمر" أمام المداخل، اعتراضاً على قبول دار الأوبرا لعقد رعاية من الشركة. 

عانت "بريتش بتروليوم" صعوبات كبيرة تتعلق بصورتها العامة، منذ كارثة خليج المكسيك البيئية العام 2010، حين تسببت الشركة في تسرب أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط في الخليج. ولاحقاً كان تصاعد الوعي بأخطار التغير المناخي حول العالم خلال السنوات القليلة الماضية، قد أثر بشكل كبير في سمعة شركات النفط بشكل عام، وبالأخص الشركة البريطانية التي تعتبر سياساتها البيئية من الأسوأ في مجالها. لكن التصعيد الأخير يشير أيضاً إلى معضلة دائمة في التمويل الثقافي. فمن المتحف البريطاني إلى دار الأوبر والغاليري الوطني، ثم فرقة شكسبير الملكية، وجميعها من أكبر المؤسسات الفنية في العالم، تجد نفسها مضطرة لقبول عقود الرعاية مع الشركة سيئة السمعة، رغم الاحتجاجات والضغوط. فبالأخص منذ الأزمة المالية في العام 2009، والتباطؤ الاقتصادي الطويل الذي تبعها، وسياسات التقشف الحكومية التي اتخذتها حكومتها المحافظين المتوالية، تزايد اعتماد المؤسسات الفنية العامة والخاصة على الدعم من القطاع الخاص والتبرعات السخية من الأفراد. ولا يبدو ذلك الاعتماد وعلاقات الرعاية حدثاً طارئاً، فالثقافة "الرفيعة"، وبسبب جماهيريتها المحدودة، كانت دائماً في حاجة إلى الدعم المادي الذي تحول مانحوه من البلاط والمؤسسات الدينية، إلى الدولة، فالقطاع الخاص.



وبوضوح، يظهر في خطابات الاحتجاج الموجهة إلى الغاليري الوطني، وعي الموقعين عليه بالتاريخ الطويل من علاقات التمويل، وموقفهم البراغماتي والمرن منها، "فالخط الأخلاقي الأحمر بخصوص الرعاية الفنية دائماً ما يتحرك، متتبعاً منحنى سلوكيات الشركات، وما يمكن اعتباره المصلحة العامة". فالغاليري كان قد قطع علاقته منذ ثلاثين عاماً مع شركة السجائر، "جون بلاير"، أحد أكبر داعميه. وفي العام الماضي، فسخ عقود التمويل مع عائلة "ساكلر"، بعد فضائح تتعلق بشركة الأدوية التي تمتلكها. وحدث ذلك بفعل ضغوط من الجماعة الفنية والجمهور، وتحول في الرأي العام بخصوص قضايا بعينها، مع مراجعة للمؤسسات الثقافية لخطوطها الحمراء وحدود أخلاقياتها.

في الحملة على "بريتش بتروليوم" يظهر الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الفنية في عمليات التبييض الثقافي وفي التغطية على الممارسات غير الأخلاقية لرأس المال، لكنه يكشف أيضاً عن أن الجماعة الفنية ليست بالضرورة طرفاً خاضعاً في تلك العلاقة، وأن استثمارات تسعى إلى توظيف الفنون كفقرة دعائية في حملة للعلاقات العامة يمكن أن تنقلب إلى الضد. ويظل السؤال الأخلاقي قائماً ومتجدداً، في ما يخص سؤال الدعم والجوائز والرعاية، مؤسساً على شعور "المسؤولية الجماعية"، كما يقول خطاب الفنانين البريطانيين، لا تجاه الحاضر فقط بل تجاه "الأجيال القادمة"، ورغبة في أن يكون الفن "في الجانب الصحيح من التاريخ".

وبطموح متواضع وواقعي، لا يتوقع المشاركون في الحملة تغير سياسات "بريتش بتروليوم" بسبب ضغوطهم، لكنهم على الأقل يصرون على رفهم المساهمة في التغطية على ممارساتها باسم الفن، أو أن ترتبط أسماؤهم بها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها