الأحد 2019/05/26

آخر تحديث: 09:25 (بيروت)

إيلين مختفي تروي: حين كانت الجزائر قبلة الثوار

الأحد 2019/05/26
increase حجم الخط decrease
ليس كتاب ايلين مختفي، "الجزائر، عاصمة الثورة، من فانون إلى الفهود السود"، الذي نشر دار "لافابريك" نسخته الفرنسية منذ أيام، كناية عن مجموعة من الذكريات، ليس مجرد مذكرات، إنما رواية تاريخية بالمعنى الفعلي للوصف، إذ، انه يعين على الدراية بما حصل من الخمسينات إلى بداية الثمانينات في الجزائر، وبما سيحصل من بعد هذه الحقبة، التي لا شك في انها الأكثر ثورية في تاريخ البلاد، تماما، كما كانت في كل العالم. لذا، الطريقة الناجعة لقراءة هذا الكتاب هي الوقوف عليه بالانطلاق من بعده الأرشيفي، الامر الذي يتيح اضافته اليوم إلى الكثير من الكتب أو الإنتاج الثقافي المتعلق به، من ناحية كونه تأريخا، ولو مواربا، لزمن، كانت كل ثورة فيه، كل حدث تحرري خلاله، يتشكلان على نحو أممي، يجمع شعوب وحركات وإيديولوجيات. 



ربما، لا بد، في يوم من الأيام، من التأريخ للعولمة العميقة، الفاعلة، المشيِّدة، المتخطية، بالابتداء من مرحلة النضال الأممي تلك. طبعا، في هذا السياق، لا يمكن نفي ان كتاب مختفي، أو بالأحرى نشره، يندرج في سياق نوستالجي إلى المرحلة اياها في حين ان كل العالم، وبطريقة معلنة، وأحيانا، مبالغ بها، يتحدث عن أزمته، أو عن وضعه الأبوكاليبسي حتى، محاولا ادراك كيفية معالجته، لكنه، وفي كل مرة، يصل إلى درب مسدود. لذا، يعود إلى الخلف، ينبش في وقائعه، وهذا عمل جيد، وفي أثناء ذلك، ينقل منبوشه إلى حاضره لكي لا يصير سوى من أزمته، وهنا، يتفاقم الجيد ليصير سيئا. 


في العام 1951 كانت مختفي تبلغ من العمر22 عاماً، حين أتت إلى باريس، وفي حسبانها أن هذه المدينة هي قبلة الثورة. الا أنها سرعان ما أصيبت بالخيبة، وفي معرض شفائها منها بعد سنة من وصولها، شهدت على قمع الشرطة الفرنسية لمظاهرة عمالية جزائرية في الأول من أيار.

ذكرها ذلك بنيويورك، مكان ولادتها ونشأتها من عائلة يهودية بروليتارية، وأحالها، بالتحديد، إلى نضال السود في جنوب أميركا، بالتالي، تعرفت على مسألة الجزائر، التي سرعان ما ستصير مسألتها. فبعد هذه الحادثة، ستنخرط في صفوف المناضلين الجزائريين، وهذا الإنخراط، حين تسجله، يبدو منطويا على نوع من الدهشة مع اكتشاف للأحياء الجزائرية في باريس، أو لطرق عيشها، أو لتدبيرها سياستها، وتخطيطها. لاحقا، ستتبدد الدهشة، لأن مختفي ستبدأ كفاحها الجزائري، من غانا، حيث ستلتقي فرانز فانون، ومحمد سحنون، في مؤتمر الشعوب الأفريقية، ومعهم ثلة من مسؤولي جبهة التحرير الوطني، إلى نيويورك نفسها، حيث ستعمل في مكتب الجبهة على تدبيج وترجمة النصوص، فضلا عن مشاركتها في حث مواطنيها على الالتفات إلى مسألة الجزائر، واستقلالها.


بعد أن نالت الجزائر استقلالها، عاشت مختفي فيها أكثر من عشر سنوات، وقد عملت في وزارة اعلامها. في أثناء إقامتها، ستتعرف على زوجها مختار، مثلما انها ستكون شاهدة على حوادث عدة، أو على تاريخ بأكمله، رأت انه يُصنع للعالم من البلاد. فيهرب الفارون من البطش من كل حدب وصوب إليها، ليجتمع على أرضها كل الاحرار، من الصين إلى انكلترا.

في هذا السياق، تخبر مختفي عن كيفية لجوء تيموثي ليري، المدافع الأول عن تعاطي ال lsd في المجتمع الحديث،  إلى الجزائر العام 1965، ومساعدتها له، مثلما انها تخبر عن لجوء حركة الفهود السود، وعلى رأسها المسؤول الاعلامي إيلدريج كلييفر، إلى الجزائر، وذلك، عبر خطفه، ورفاقه، للطائرة المتجهة إلى ميامي، وتحويله اتجاهها نحوها.


من هنا، من مجيء إيلدريج كلييفر، تجد مختفي ان الجزائر، بلادها الثانية، قد انطلقت في رد الجميل إلى ثوار بلادها الأولى، الولايات المتحدة الأميركية. إذ ان حركة الفهود السود ستنشط في الجزائر، لا سيما في القصبة، وبمعية مختفي، ستشارك في تنظيم مهرجان أفريقيا الثقافي، الذي يستقبل نينا سيمون وآرشي شيب، وايموري دوغلاس. ولكن، في العام 1973، ستتقرب سلطة بومدين من الإدارة الاميركية، الأمر، الذي سيدفع إلى مغادرة الفهود السود، وكل المناضلين ضد التمييز العنصري، للجزائر. وفي المطاف عينه، وبعد عام، ستُمنع مختفي نفسها من الدخول إلى البلاد، ولأن السلطة آنذاك، لم تجد تهمة ضدها، بررت فعلتها بكون مختفي "يهودية". لكنها، في ما بعد، سترفع الحظر عنها، وما ان ترجع، حتى تطردها إلى غير رجعة. وعلى هذا النحو، ستشرع الجزائر في انقلابها من قبلة الثوار إلى قبلة مكافحتهم، وعلى هذا النحو، ستنتهي تجربة مختفي في الجزائر، ويتواصل كل حبها لها، الذي يشكل كتابها، أو وثيقتها التاريخية، دليلا عليه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها