الأحد 2019/05/19

آخر تحديث: 08:26 (بيروت)

"مسيو بشارة" لألكسندر نجار ولينا أبيض... الراقصة والفيلسوف

الأحد 2019/05/19
increase حجم الخط decrease
يٍحسب لمسرحية "السيد بشارة" Monsieur Bechara للكاتب اللبناني الفرانكوفوني ألكسندر نجار، أنها قدمت أنطوان بلابان في أحد أجمل أدواره، كما أنها أعطت مساحة لمخرجة العرض لينا أبيض، لتكون على الخشبة، وهي قلّما تمنح نفسها وتمنحنا هذه المتعة. في الواقع، اكتنز هذا العرض الكوميدي الساخر، طاقماً من الممثلين، كانوا بشكل عام على مستوى عالٍ من الرصانة. وحبكة نجار تتطلب طاقم ممثلين بكل ما للكلمة من معنى. اذ يدور العرض حول بشارة أبو بشارة (أنطوان بلابان)، أستاذ الفلسفة العجوز الأعزب، الذي يقع في غرام سالومي جارته الراقصة. 
وعالم بشارة، يتراوح بين أحبائه الذين اختارهم، أي الفلاسفة سبينوزا وديكارت وأقربهم الى قلبه سارتر، الذين وبين أحباءٍ، فُرضوا عليه كأخته جيلبيرت (جوزيان بولس) وصديقتها ماري جو (لينا أبيض)، وابن عمه ألبير (رافي فغالي) الذي يعيش معهم فيما يتمركز على طاولة الشغل في معظم الوقت عالقاً في العمل على قاموسه الفلسفي. تلعب الصدف أدوارها، إثر خلافٍ بين سالومي وزوجها (وليد عرقجي)، محبذةً لقاء الرجل العالق على الحرف E في قاموسٍ سيرى النور يوماً ما، ليعلق في شباك سالومي أو لولو (آميليا زيدان) التي، أتت من فرنسا لتعلم الرقص الشرقي. حياة هذا الرجل المنزوي والمتلطي خلف الكتب ستتبدل وكل عصارته الفكرية ستفقد صلابتها وصرامتها أمام إغواء الراقصة وبعض الاهتمام منها الى أن تداعى كل شيء.

حجم افتتان الفيلسوف بالراقصة، أصبح بالغاً لدرجة غيّر فيها بشارة أسلوب ملبسه، دافعاً المبلغ المرقوم لكريستيانو (بشارة عطالله) مصمم ومستشار الأزياء. سعى لإرضائها بشتى الطرق: دفع قرضها واشترى لها سيارة، ثم أكلته الغيرة حتى اعتقد أنه ارتكب جريمة وقتل الراقصة. وحين صعد الى الجنة، لن يكون ناجعاً له لا اللقاء بحبيبه الأول ومحفزه الفكري سارتر (سيريل جبر) ولا بمؤججة شهوته ورغباته سالومي.

في سياق العرض، تمكن بلابان من تطويع ملكاته الأدائية ليظهر مسيو بشارة في أحسن حال، كأنه يدوزن شخصيته على تنويعات أدائية متباينة. كذلك كانت كل من جوزيان بولس التي لعبت دور أخت بشارة وصديقتها التي أدت دورها لينا أبيض، متمرستين بعفويةٍ مطعمة بأداء غروتسكي، تارةً كما لو أن هنالك مراوحة تفي كل لحظة حقها، وإن كان هنالك مبالغة أدائية غير قابلة للتصديق في لحظات قليلة، لم توفر حتى بلابان. من منحى آخر، أضاف حضور كل من التحري طنوس - الذي قدم دوره جورج  دياب – وابن العم ألبير الذي مثل دوره رافي فغالي، مساحات إضافية من الكوميديا والضحك. 
أما مساحات الرقص والحركة، فكان الأفضل أن تعطى مداها بعض الشيء، حتى في ما يتعلق بحركة المصمم كريستيانو الذي لعب دوره بشارة عطاالله ببراعة. ليس الأمر لهدف تزييني فرجوي فقط انما لبلورة وبناء تراكم في العلاقة أكثر بين لولو وبشارة التي، بُنيت أسسها على الرغبة الممزوجة بعاطفة من ناحية ولفهم أبعاد أدوار شخصيات لها مجالها الحركي في العرض، كتبها نجار ولم تتطوّر كما ينبغي من ناحية أخرى. يُذكر على سبيل المثال، دور لميا طالبة البكالوريا التي تحب رقص ال freestyle. كان من الممكن لهذه الشخصية أن تأخذ مساحةً أكثر خاصةً أن وجودها له دلالاته في ما يتعلق بجيل وعصرٍ بأكمله يقصي أهمية الفلسفة.

السينوغرافيا التي صممتها لينا أبيض أنيقة على بساطتها، اذا اعتمدت على ستائر بيضاء وكراسٍ شفافة، يجلس عليها الممثلون طوال الوقت حتى يأتي دورهم. جميلةٌ اللحظات الأولى للعرض، الا أن الإخراج لم يسمح باستخدام المستويات المتعددة لهذا الفضاء، تحديداً في المشاهد الراقصة. كما اعتمدت إضاءة (رهف جمال) عامة معظم الوقت بالرغم أن دينامية المشاهد والفضاءات المتعددة للعرض ومساحات الرقص، التي كانت تستوجب استحضار الإضاءة كعنصر فيه من الفرجوية الكافية التي تحيلنا الى تنقّلات في عوالم مختلفة وهذا ما لم يحصل.

يذكر ألكسندر نجار في أكثر من مكان أن مسرحيته تسخر من العقول المحدودة ومن الأحكام المسبقة والمظاهر الخادعة. على الأرجح أنه نجح في ذلك، وقد أَضفى لغةً لمَّاحة وطرفة ذكية في المواقف، تخلط بين بعض المصطلحات العامية اللبنانية والفرنسية وهي لغة العرض. ولكن أثناء تحقيق هدفه، بدا أن نجار يثبت أكثر فأكثر تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية – لأنه وضعها على الخشبة دون أن يخلق أو يثبت في نهاية العرض فسحة صراع، وللصراع مساحته أيضاً في الكوميديا – جاعلاً كل الشخصيات تستسلم بشكل أو بآخر للملذات والرغبة والمظاهر، كما لو أنه ليس هنالك من مجال أن يعيش المرء في هذا الزمن دون أن يسقط  في كل هذا الافتتان. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها