السبت 2019/04/20

آخر تحديث: 11:41 (بيروت)

رهانات العسكر(*)

السبت 2019/04/20
رهانات العسكر(*)
الجزائري أحمد قايد صالح
increase حجم الخط decrease
(*) أمام هذا الفيضان الشعبي الذي يغرق الساحات والشوارع، يراهن السوداني عبد الفتاح البرهان، والجزائري قايد صالح، وقوى الدولة العميقة التي تقف خلفهما، أولاً، على التأقلم مع الاعتصام والتظاهر لمدة طويلة، فيستمر النظام قائماً على الرغم من الفيضان الجماهيري اليومي أو الأسبوعي.


ويراهنون ثانياً على تسرب الملل والاحباط إلى الشارع والمتظاهرين فتتناقص أعدادهم تدريجياً مما يسهل تأقلم السلطة مع المظاهرات ويجعل ممكناً بالتالي قمع المظاهرات وفكّ الاعتصام (ولا شك في أن العسكر السودانيين يحلمون بمشهد فضّ الاعتصام وإزالة الخيم من ميدان التحرير في مصر بعدما كان قد تناقص عدد المعتصمين ولم يبق منهم سوى جزء ضئيل).

ويراهنون ثالثاً على بعث الفرقة والقسمة والتناقضات وزيادتها في صفوف قوى الثورة، وتأليب هذا على ذاك بالتوسل، بكل ما تمتلكه السلطة من وسائل، إبتداءً بالمخابرات والإعلام المشؤوم والمسموم، وصولاً إلى مستنقع المفاوضات التي لا تنتهي، واختلاق مفاوضين من هنا ودفع مفاوضين من هناك...

ويراهنون رابعاً على الأكاذيب والحيل الماكرة بأنهم يستجيبون لمطالب الشعب، فلا يترددون مثلا في إقالة هذا أو ذاك من الرموز المكروهة، بل قد يلجأون إذا ما لزم الأمر إلى محاكمة بعض رؤوس النظام (على مثال ما فعل المجلس العسكري المصري في الشروع في المحاكمة الصورية لمبارك وأولاده ورموز نظامه قبل إطلاق سراحهم جميعاً وتبرئتهم واستبدالهم بآلاف الثوار)، وإلى إجراءات أخرى يريدها الثوار... فيكونون بذلك يكرّسون أنفسهم السلطة الشرعية التي تتولى البتّ بالمطالب واتخاذ قرار تحقيقها من عدمه... ثم تستطيع السلطة في ما بعد، عندما يتغير ميزان القوى، التراجع عن كل ما قررت والانقلاب عليه، مثلما ينقلب اليوم طاغية مصر على الدستور ويتوج نفسه رئيساً أبدياً تيمّناً بالأبد الأسدي السوري المشؤوم.

ويراهن العسكر أيضاً على تقديم تنازلات لمعسكر الثورة قد تشركه في الحكم من دون أن يمس ذلك الموقع الذي يحتله العسكر بصفتهم الآمر الناهي في نهاية المطاف. هكذا قد يقبل البرهان بتشكيل حكومة من قوى الثورة كلها مقابل أن يبقى هو ومجلسه العسكري محتفظاً بالأكثرية في المجلس الرئاسي مما يمكنه عندما تسنح الفرصة من كنس الحكومة واستعادة السلطة كاملة...

ويراهنون كذلك على الدعم السياسي والمخابراتي والمادي لحلف الثورة المضادة العربية وعلى رأسه طاغية مصر السيسي ومملكة المنشار السعودي الإمارات النفطية المتحدة... فهؤلاء جميعاً يخافون بل ترتعد فرائصهم من الحياة المنبعثة من السودان والجزائر ويعملون ما في وسعهم لإبقاء هذين البلدين جثتين هامدتين في جامعة الجثث العربية!

لا انتصار للثورة في السودان، كما في الجزائر، من دون انتزاع حاسم وسريع للسلطة كاملة من براثن العسكر، وكنس كل قوى النظام القديم ورموزه، ومن ثم خضوع الجيش لسلطة الشعب المدنية.

(*) مدونة كتبها الباحث مروان أبي سمرا في صفحته الفايسيوكية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها