الثلاثاء 2019/04/02

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

الجولان حينما سكنه العمالقة

الثلاثاء 2019/04/02
increase حجم الخط decrease
كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن مخطط ضخم لحكومة بنيامين نتنياهو يستهدف تكثيف بناء المستوطنات في الجولان السوري المحتل. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعترف، الأسبوع الماضي، رسمياً بـ"سيادة إسرائيل" على مرتفعات الجولان المحتلة. ونقلت "هيئة البث السرائيلية" أن حكومة نتنياهو قامت "ببلورة خطة لتطوير هضبة الجولان، تهدف إلى إسكان ربع مليون مواطن بعد ثلاثة عقود من الزمن، بالتزامن مع مرور مئة عام على تأسيس الدولة".


يرد اسم "جولان" في ثلاثة أسفار من العهد القديم، ويتضح من خلال ذلك ان هذا الاسم كان لمدينة من "مدن الملجأ" التي يقصدها مَن قتل إنساناً عن طريق الخطأ وخشي من الانتقام. نقرأ في "سفر التثنية": "حينئذ أفرز موسى ثلاث مدن في عبر الأردن نحو شروق الشمس، لكي يهرب إليها القاتل الذي يقتل صاحبه بغير علم، وهو غير مبغض له منذ أمس وما قبله. يهرب إلى إحدى تلك المدن فيحيا، باصر في البرية في أرض السهل للرأوبينيين، وراموت في جلعاد للجاديين، وجولان في باشان للمنسيين" (4، 41-43). يتكرر هذا القول مرتين في "سفر يشوع" (20، 8 ـ 21، 27)، ومرة في "سفر أخبار الأيام الأول" (6، 56). ويظهر من خلال هذه الآيات أن "جولان" كانت في نصيب "الجاديين"، أي سبط منسي ابن يوسف، وكانت تقع في المرتفعات شرق بحر الجليل.

في "سفر يشوع"، تُذكر "جولان" كجزء من أرض "باشان". وباشان مقاطعة في أرض كنعان تقع شرقي الأردن، بين جبلي حرمون وجلعاد (عدد 21: 33). وقد سُمّيت على اسم جبل في تلك البلاد (مزمور 68: 15)، وهو اليوم "جبل الدروز". باشان اسم عبري ذُكر نحو ستين مرة في الكتاب المقدس، ومعناه أرض مستوية أو ممهدة. كانت هذه الأرض تشمل حوران والجولان واللجاة، تحدّها شمالًا أراضي دمشق، وشرقًا البادية السورية، وجنوبًا أرض جلعاد الواقعة بين أنهر اليرموك والزرقاء والأردن، وغربًا غور الأردن. ويخترق جانبها الشرقي جبل الدروز. بحسب الروايات العبرية، توجه اليهود إلى مملكة باشان في شمال الأردن، وكان أهلها قوماً من الكنعانيين عُرفوا باسم الرفائيين، اشتهروا بضخامة أجسامهم مما جعلهم من بين العمالقة، فتصدى لهم الملك عوج، الذي قتل في المعركة. وعوج معروف في التراث الإسلامي، كما أشار جواد علي في "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام"، وهو عوج بن عنق عند العوام، "وُلد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى"، "حاول منع الإسرائيليين من المرور بأرضه، فقتلوه، وجاء أنه كان ينام على سرير من حديد طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع، وذلك لبيان ضخامة جسمه".

اختلف أهل الاختصاص في تحديد موقع "جولان في باشان" (يشوع 20، 8). ومال البعض إلى القول بأنها قرية "سحم الجولان" التابعة لمحافظة درعا، جنوب غربي سوريا. اتسعت رقعة "جولان" وحملت اسم "جولانيتس" في القرن الثاني قبل الميلاد، وباتت جزءاً من ولاية "فلسطين الثانية" إلى أن سقطت في أيدي العرب المسلمين في معركة اليرموك سنة 636. قبل ذلك بزمن بعيد، ارتبط اسم الجولان بالغساسنة، كما عُرفت بـ"جابية الجولان"، كما تشهد المرويات الإسلامية، "وقد اشتهرت الجابية بأنها كانت مقر الملوك، ولذلك عرفت بجابية الملوك"، بحسب جواد علي. قال النابغة الذبياني: "بكى حارث الجولان من فقد ربه/ وحوران منه موحش متضائل". وقال حسان بن ثابت: "هبلت أمهم وقد هبلتهم/ يوم راحوا لحارث الجولان". وقال الراعي النميري: "كذا حارث الجولان يبرق دونه/ دساكر في أطرافهن بروج". واختلفت الآراء في تحديد هوية "حارث الجولان"، فقيل انه اسم لقرية أو اسم لجبل، وقيل انه اسم لملك من ملوك الغساسنة، وقيل انه اسم لقصر كان لهذا الملك بالجولان.

في "الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة"، يذكر الحازمي "باب عَقْرَبَاءَ، وَعَقْرَمَا"، ويقول انه "اسم مدينة الجولان من كور دمشق، وكان ينزل بها ملك غسان". وفي "معجم البلدان"، يذكر ياقوت الحموي الجولان، وهو في تعريفه "بالفتح ثم السكون، قرية وقيل جبل من نواحي دمشق ثم من عمل حوران". في المقابل، يذكر النووي "الجولان" في "تهذيب الأسماء واللغات"، وهو اسم "كورة معروفة، وهو إقليم مشتمل على نحو مائتي قرية"، "له ذكر كثير في المغازي وأشعار العرب". احتلّت منطقة الجولان أهمية كبيرة خلال سنوات الحروب الصليبية، وكانت ثغراً من ثغور المجابهة بين الفرق المتصارعة، ثم ازدهرت في زمن المماليك. من المفارقات، تحوّل الجولان إلى "أرض ملجأ" في عهد العثمانيين، وضمّ جاليات متعددة القوميات والأديان. في نهاية القرن التاسع عشر، بدأ "الاستيطان" اليهودي في المنطقة، وتوسّع في بدايات القرن العشرين. عند سقوط الدولة العثمانية، كانت هضبة الجولان ضمن حدود فلسطين الانتدابية البريطانية، ثم انتقلت إلى الوصاية الفرنسية في 1923 حيث أصبحت داخل الحدود السورية، وأصبحت تابعة لسوريا رسميا في 1944. إثر حرب الأيام الستة في 1967، احتل الإسرائيليون الجزء الغربي من هذه المنطقة، وجعلوا منها قاعدة لهم.

من الجولان، خرجت آثار عديدة تشهد لثرائها الحضاري الكبير، منها تماثيل بازلتية محفوظة في متحف دمشق ومتحف القنيطرة. بدأ الاستيطان البشري في الجولان منذ عشرات آلاف من السنين، وعرف مختلف مراحل التطور في العصور القديمة، وأهم مواقعه الموغلة في القدم موقع كشف عنه عالمان اسرائيليان في مطلع 1968، ويُعرف باسم "رجم الهوى" بالعربية، وبـ"جلجال رفائيم" بالعبرية، أي عجلة العمالقة. وهو مرصد فلكي يقع في وسط الجولان، في أعلى وادي "الدالية"، على بعد 16 كيلومتراً إلى الشرق من الشاطئ الشمالي لبحيرة طبريا.

يعود هذا الموقع إلى العصر البرونزي المبكر، أي نحو 3200 قبل الميلاد، ويتكوّن من مجموعة من حجارة البازلت البركانية السوداء، تحوطها خمس حلقات حجرية، قُطرُ أكبرها 156 متراً، ويشكّل بضخامته ودقة بنائه لغزاً غامضاً بالنسبة لعلماء الآثار والفلك.

من جهة أخرى، كشفت بعثة إسرائيلية عن موقع أثري يهودي في قرية قصرين، وهي احدى القرى المحتلة التابعة لمحافظة القنيطرة، وعمدت على التنقيب فيه بين 1971 و1984، ثم جعلت منه متحفاً مفتوحاً في الهواء الطلق. يحوي هذا الموقع كنيساً قديماً دُمّر خلال الزلزال الذي تعرّضت له المنطقة في 749، وتحوّل جزء منه إلى مسجد في العهد المملوكي. وقد أولت سلطة الاحتلال هذا الموقع عناية كبرى، وسعت إلى إبرازه في سعيها لتأكيد الهوية اليهودية الأثرية للهضبة المحتلّة.   

من الحقبة البيزنطية، يبرز موقع "قيصرية فيلبي"، شمالي بحر الجليل، عند سفح جبل حرمون. قبل العهد المسيحي، أنشئت في هذا المواقع معابد كثيرة، وعُرف باسم "بعل حرمون" و"بعل جاد"، ثم عُرف باسم "بانياس"، على اسم الإله بان، قبل ان يعرف باسم "قيصرية فيلبي" في القرن الأول على اسم الحاكم هيرودس فيلبس الثاني. و"قيصرية فيلبي" هي آخر المدن التي زارها المسيح إلى جهة الشمال في فلسطين (مت 16: 13 ومر 8: 27)، وفيها سأل تلاميذه: "من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟". وهو ما جعل أرض الجولان أرضاً مقدسة ومقصداً للحجّاج السائرين على خطى المسيح على مدى العصور.

من الحقبة الاسلامية، تبرز "قلعة الصبيبة" التي تُعرف اليوم بـ"قلعة النمرود"، فوق صهوة جبل شاهق ذي منحدرات عمودية، عند سفح جبل الشيخ، وتتبع قرية "جباتا الزيت"، وتطل على بانياس والحولة. بناها العزيز عثمان الأيوبي سنة 1229، وحوّلها العثمان إلى سجن، وخربت إثر تعرضها لزلزال مدمر في القرن الثامن عشر. أطلق عليها الدروز اسم "قلعة النمرود" نسبة للملك الجبار الذي ألقى بالنبي إبراهيم في النار ومات بكفره حين بعث الله بعوضة دخلت في أنفه فنخرت رأسه، وهي اليوم موقع أثري عالمي تشرف عليه مديرية الآثار الإسرائيلية.  



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها