الخميس 2019/04/11

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

فرانسوا بيغودو يعرّف البرجوازي على ذاته

الخميس 2019/04/11
فرانسوا بيغودو يعرّف البرجوازي على ذاته
"أحب أن تكذّبني في التعرف على نفسك في هذه الأنت. كذِّبني"
increase حجم الخط decrease
يخطر في بال قارئ كتاب فرانسوا بيغودو، "قصة حماقتك" (بوفير)، الذي يقارع به البرجوازي، لا سيما الصغير الباريسي، أكان اليساري أو اليسارو-ماكروني، أن بيروت تحتاج كتاباً مشابهاً، يُوزع في بدارو مثلاً. وما أن تحضر هذه الخاطرة، حتى يتذكر القارئ أن جبران باسيل وقف في ذلك الحي، ملقياً خطبته العنصرية المعهودة، فيزداد تمسكاً بخاطرته تلك. 

لكن، لا داعي الآن للحديث عن البرجوازية الصغيرة اللبنانية التي لا تتوانى عن الامتثال لصورتها الرديئة والمطلوبة ممن يعلوها، ومن بعد ذلك، تستفهم لماذا الباسيلية اليوم فاعلة للغاية. لا داعي للحديث عنها في هذا السياق المخصص لبيغودو، الكاتب الذي، ومنذ مطلع كتابه حتى نهايته، يأخذ على عاتقه تبديد جهل البرجوازي بذاته. إذ انه، وبحسب تعريفه له، هو لا يعرف من يكون: "البرجو" لا يعرف انه كذلك.

يتوجه بيغودو إلى البرجوازي بصيغة "أنت" المباشرة، معدداً سماته ومسالكه في الاجتماع والسياسة، وقبلهما، في العيش الشخصي. فبيغودو يعرف البرجوازي جيداً. فهو، بحسب قوله، قريب منه نتيجة انتقاله الاقتصادي إلى عالمه، مع امتلاك شقة في الدائرة الحادية عشرة، ومع دخل سنوي لا بأس به، من دون أن يتبنى منظومته الفكرية، أو وعيه. وذلك نظراً لكون طبقته الأساس هي طبقة شعبية، ونظراً لحبه للراديكالية، التي يجدها محركة الفكر وصفته، وطبعاً، لأنه يعتقد بكون دوره هو نقد الطغيان.

بلِسان ماركسي، يقول بيغودو ان البرجوازي لا يتكلم سوى من موقعه الطبقي، الذي يتسم بكون الحماقة تشكل بنيته. ومرد هذا أنه يرتكز إلى الراحة، وإلى انقطاعه عن العمل، بالتالي، لا يفعل شيئاً الا حفاظه على ظروفه الجيدة، التي بلغها في حين حرمان كثرة منها، وعلى أساس حرمانهم منهم أيضاً. فالبرجوازي هو فعل إيديولوجي كامل، يفيد بربط كل عيشه بهَمٍّ واحد، أي مصالحه، وفي النتيجة، يغدو عيشه هذا فارغاً، والفكر الذي يرافقه يتطابق معه، بحيث تمسي وظيفته أن يسوغ الموجود عند صاحبه، أو المملوك من قبله، كما أن وظيفته هي "تطيير الواقع"، ولهذا، يصير فِكراً معدوماً.

من هنا، البرجوازي يكره اللغة، إذ إنه، حتى لو زينها وبالَغ في الدفاع عنها، تظل جوفاء، تشبه لغة الدعايات، التي لا تمسك بالواقع بل تعمد بكلماتها إلى جعله بخارياً يتلاشى في الهواء. وهذا، حتى لو كانت لغة يسارية، بحيث "من الممكن أن تكون يسارياً ظرفياً، لكنك تبقى برجوازياً بنيوياً". على أن بيغودو يحدد سمة أخرى لبرجوازيّه، وهي انه "cool"، ولا يتعامل مع الوقائع حوله سوى على أساسها، كما لو أنها القياس الذي يتحكم به المزاج وتقلباته.

في بعض الأحيان، يشط بيغودو في نصه، ويمضي إلى الحديث مع برجوازيّه بالانطلاق من المقارنة معه، وبذلك يضع "أنا"ه في مقابل الـ"أنت"، ماضياً إلى اخبار البرجوازي كيف أنه عكسه. طبعاً، هذه التقنية التي تنعقد، في لحظة ما، على مبالغة لا نفع منها، تدل على أمر يعبر "قصة حماقتك" من ألِفها إلى يائها، وهو أن كاتبها يحاول طرد البرجوازي منه هو نفسه. وذلك، قبل أن ينهي قصته بنوع من التحدي الذي يطرحه عليه، داعياً إياه الى الإقرار بالـ"أنت" في النص باعتبارها ذاته: "لكنك، لن تقول ذلك. ستنفي. فطبقتك مؤسسة على هذا النفي، على ستر الصلة الاجتماعية التي تكونها. بهذا، عندما تنفي، تتهم نفسك. تتهمها بسمتك الأساس وهي النفي. مع ذلك، أحب أن أكون مخطئاً. أحب أن تكذبني في التعرف على نفسك في هذه الأنت. كذِّبني". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها