الإثنين 2019/02/25

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

نينا بنجيفاك: الهوس الجنسي قصة غرافيكية بواقعية الرَّوع

الإثنين 2019/02/25
increase حجم الخط decrease
في الدائرة العاشرة بباريس، ثمة غاليري صغيرة في شارع تحمل اسمه، "مارتيل"، تستقبل فناني الغرافيك، ومن الممكن القول أنها غالباً ما تختار الأكثر إبداعاً بينهم، وهذا، في حال المساواة بين الإبداع والغرابة. حالياً، تفتح الغاليري فضاءها للفنانة الصربو-كندية، رسامة القصص المصورة، نينا بنجيفاك، منظمة معرض بعنوان كتابها الأخير "بزيمينا"، الذي تروي فيه قصة المدعو "بيني"، الذي تنقسم حياته بين الظاهر والمستور. 

في الظاهر هو شاب مهذب، يعمل في حديقة حيوانات، وفي المستور، لا يتوقف عن ممارسة الاستمناء والهجس في كل الفتيات اللواتي يراهن طوال دوام عمله، الأمر، الذي، وعندما يسيطر عليه، يجعله مهووساً جنسياً. من هنا، تريد بنجيفاك ان تصور التوتر في يوميات بيني المهووس، ولهذا، تستند إلى التقليد الرسمي، الذي تعتمد فيه الأسود والأبيض، جاعلة من قصته تنطوي على ثلاثة أجواء متداخلة.

بداية، قد يصح القول أن الجو الأساس لقصة بيني هو جو أسطوري، بحيث ان بانجيفك تستحضره من أسطورة الإلهة الاغريقية ارتيمس وتحويلها للصياد سبرواتس إلى امرأة بعدما حاول الاعتداء على عدد من العذارى. طبعاً، تحضر هذه الاسطورة في قصة بيني بعد تحديثها، لتدور في الوقت الراهن، وهذا، ما يوفر لها جواً بعينه، هو جو فانتازي، تقول بنجيفاك انه قريب من جو "كات بيبول"، اي الفيلم الذي أخرجه جاك تورنور في العام 1942. الا ان فانتازيا قصة بيني لا تبعدها عما يسمى "واقعية"، وهي واقعية الروع، بحيث أنه يبرز في كل لوحاتها أكان مضطرباً أو هادئاً. 


في هذا السياق، ليست مهمة بنجيفاك يسيرة، إذ تسعى إلى المحافظة على تصاعد الروع اياه، وواقعيته، طوال قصة بيني بطريقة لا تشي بالافراط في التخيل. تحقيق هذا المسعى لا يتعلق بسرد القصة ووتيرتها بقدر ما يتعلق برسمها، الذي من المتاح، وباختصار، الإشارة إلى عدد من سماته الاساس: ارتكازه الدائم على العلاقة بين المعتم والمضاء، وإبانته ان الأول هو مبدأ الثاني، فكل قصة بيني تدور أساساً في الظلمة. كمون شدته في التدبيب، فكل لوحة من القصة تحوي رأساً أو زاوية مدببة، ونافرة، من حلمتَي الثديين إلى أغصان الأشجار على الأرصفة. حفاظه على الخفة الخطية، وهذا حتى لو كان يحيط بمشهد، عناصره كبيرة أو كثيرة، فهو، وباستمرار، خط حلمي، يحيل إلى الحلم. وفي الجهة نفسها، هو خط يمسخ، يصور كل موضوع في حين تحوله، كما لو أنه هو الذي يغيره.

بالاستناد الى سماته هذه، يحافظ رسم بنجيفاك على واقعية الروع، التي، وحين يدور فعل جنسي فيها، سرعان ما تحوله إلى فعل ايروتيكي ينطوي على ضرب من الفزع. لكن، وفي الكثير من الأحيان، تبدو ايروتيكيا بنجيفاك عتيقة، يعني أنها "فينتاج"، ليس من ناحية التمثيل، إنما من ناحية صلتها بسلطة المنع، التي تبديها قاسية ومستبدة مثلما كانت في اربعينات القرن الماضي. وعلى هذا النحو، في رسم بنجيفاك نوع من المحاكاة الساخرة، غير المعلنة، لتلك السلطة، ولمحظورها، الذي يجعل بيني يغرق في رحلة هووسه.

تدرك بنجيفاك كيف تحول رسمها إلى رسم مروع ومأنوس اليه، كما تدرك كيف تحشد فيه كل الأجواء بلا أن يغلب جو على غيره، فالأسطوري يجاور الفانتازي والواقعي والايروتيكي والحلمي. وعلى هذا النحو، تستكمل مسارها الذي بدأته من قبل في "هيرتلس"، وفي "فاذرلاند" ، كتابها الشهير الذي رسمت فيه قصة والدها، ونفيه إلى كندا بسبب انضمامه إلى منظمة انتي-شيوعية طالبت باستقلال صربيا. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها