الأحد 2019/02/24

آخر تحديث: 10:35 (بيروت)

صدام حسين وأسماء البنات والبداوة الآثمة

الأحد 2019/02/24
صدام حسين وأسماء البنات والبداوة الآثمة
عائلة صدام
increase حجم الخط decrease
من بعد الدردشة المقهوية العابرة عن الأسماء وكتاب "الاشتقاق" لابن دريد الأزدي (ت 321 ه /933 م) واللغة والرقة والخشونة في اختيار أسماء العلم على هامش مقالي "حين كانت أسماء الوحوش تحمينا"، لفت انتباهي أحد الاصدقاء إلى أن حفيدة صدام حسين واسمها "حرير"، تحدثت إلى إحدى الصحف العربية أو نقل عنها، أن جدّها كان يختار أسماء حفيداته، ويترك أسماء الأحفاد (الذكور) للعائلة أو العشيرة، ومصدر الانتباه الى هذا الموضوع أن حفيدة صدام المتحدثة، وهي نجلة رغد صدام والوزير العراقي حسين كامل حسن المجيد ابن عم صدام حسين، وكانت موضع انتباه بسبب اسمها وقصة اختياره ومعناه، وحين بحثت عن حديثها الصحافي، من باب الفضول، تبين انها أصدرت كتاباً، وهو متوفر على مواقع الانترنت وفي المكتبات والمعارض، من دون اسم ناشر، وجوهره أنه منسوب إلى "حفيدة صدام" ويتضمن سرداً متشعباً، منذ يوم ولادة المؤلفة او الكاتبة المصابة بالربو منذ طفولتها، مرورا بالمعارك الصدامية والحصار الدولي والهجوم الأميركي والحياة في ظل الحماية الأمنية المشددة والتصفيات العشائرية حتى يوم اعدام صدام حسين، وما بينهما يوميات تراجيدية ودموية وهذيانية لعائلة هيمنت على العراق، كانت تهوى النزوات والاستعراض وأنواع الملابس العالمية والعطور الباريسية وتربية الأسود واساطيل السيارات النادرة، وخاضت حروباً خارجية وداخلية، كانت خاتمتها تصفية والد المؤلفة على يد ابناء عشيرته بسبب هروبه من العراق الى الأردن ثم عودته، ومقتل اخوالها(قصي وعدي ومصطفى) برصاص القوات الأميركية، واعدام جدّها(صدام) شنقاً على يد النظام العراقي الجديد، وشتات فلول العائلة الى سوريا والأردن وقطر، وتصدّع العراق بألف وجه ووجه وألف هيمنة وهيمنة...


هناك جوانب قليلة نجهلها عن عائلة صدام حسين وعشيرته وأنجاله وزوجته ساجدة(يدلعها "ساجدات")، والعاملين في قصره، ومربيات احفاده، وكان يختار معظمهم من الأرمن والمسيحيين ويرفض الاسيويين ويفرض أن يسمي أهل البيت "الخادمة" عاملة، ومنع عائلته من تناول المشروبات الغازية في اثناء الحصار الأميركي ليكونوا اسوة بغيرهم من العراقيين، لكن هذا لم يمنعه من اقتناء سيارة مصنوعة من ذهب. وما ترويه حرير عن اختيار الأسماء يبدو الأكثر عادية بالمعنى الثقافي، والأكثر انشقاقاً عن السياق القبلي والنسبي وان كان صدام يمارس صلافة الأب في اختيار اسم الأنثى، ولا ندري إن كانت عشرة صدام تتبع السلوك نفسه، فهو أي صدام بحسب حفيدته، "في أي وقت بعد الولادة، سيقوم بالمرور للسلام على ابنته والمباركة، والأهم من ذلك... للتسمية، تقول "كانت الأسماء التي يطلقها على الحفيدات لها ثلاث خصائص، فهي بسيطة وغير تقليدية وقرآنية!"، تضيف "كان يفتح المصحف على أي صفحة من كلام الله ويبدأ بالقراءة، واذ صادفه اسم يرى انه يصلح وتنطبق عليه المواصفات سمى به حفيدته، كان يفرح جداً بولادة البنات، على عكس زوجته ساجدة التي تحزن بشدة حين تعرف ان المولود أنثى. كان يسميها كنوع من التكريم: حرير.. وهج... نبع... موج... بنان... ألق، مسك"، وعلى عكس بعض العائلات الملكية أو القبلية التي تختار اسماء خشنة لأبنائها وأسماء رقيقة لمخدوميها أو جواريها، (لا ندري من اختار اسماء ابناء صدام الذكور قصي وعدي)، بالمحصلة، صدام الصلف والدموي والطغياني وعاشق الصور والمدافع العملاقة والطامح الى الجمهورية النووية وصائد الغزلان والسبّاح في أنهر العراق ومرتكب المجازر وفارض العلم على الآخرين و"الروائي" بأقلام الآخرين، وصاحب القصور الضخمة على ضفاف الأنهر، وصاحب الخيم البدوية البدائية على طريقة القذافي او شيخ العرب، واليتيم "الشقي" محارب العقارب في طفولته، يختار أسماء الإناث الناعمة والرقيقة الإيقاعية، وتتراوح معانيها بين الروائح العطرة وحركة الطبيعة الخلابة والنضارة، وهي أسماء إلى حد ما غير عشائرية أو قبلية لا تشير الى الحروب ربما فيها شيء من "الفتنة"، وهذا شيء من شخصية صدام الطغياني الذي يهمه أن يلتقط صوراً وهو يحمل طفلاً، تقول حرير"كان جدي يطلق علينا ألقاباً معينة، وقد لاحظ ذات يوم حنكي بارزا فأسماني أم حنج، وهو ممسك بحنكي ويهزه ذات اليمين ذات اليسار، اوهو يقول "يمه الحنج يمه.. مدكاك حلاوة...

واذ كان اختيار الأسماء على الطريقة الصدامية أقرب إلى العادي ويتنافى مع بعض العادات القبلية، لكن أبرز ما تكشفه مذكرات حفيدته بالنسبة للحياة الداخلية لصدام وعائلته، هو إصرار الأخير على تزويج بناته وحفيداته في سن مبكرة، وقبل أن يبلغن سن الرشد المحدد في القانون العراقي، وهو 18 عاماً! فابنته الكبرى رغد، تزوجت من حسين كامل وهي بسن لا تتجاوز الـ15 عاماً، وكذلك بقية البنات. كان صدام يختار لبناته ما "يناسبهن" من فتيان أبناء العمومة في العشيرة حصراً! مع ملاحظة أن صدام لم يكن يعنى العناية المناسبة بمستوى التعليم الذي تحصل عليه بنات العائلة.

وعدا تسمية بناته بأسماء يستقيها من القرآن، فهو سمى معاركه مع إيران "القادسية" انطلاقاً من التاريخ الغابر، وهي الحرب التي لم تنته فصولها إلا بعد تدمير العراق، وكان يسمي صواريخه "الحسين" وهي جرت العراق إلى مزيد من الخراب، وأطلق لقب "الماجدات" على النساء اللواتي بذلن جهدا في الحرب العراقية الإيرانية وفي حرب الخليج الأولى، فكانت الخاتمة أن أصبح العراق، بسبب صدام واميركا والعالم وايران، بلد الأرامل والتصدع والانبعاثات السامة ولاحقا دولة البغدادي.


  (*) ثمة جوانب في الكتاب تجعل القارئ يسأل، هل الكاتبة حرير مواليد منتصف الثمانينات، كانت تنتبه للأمور التي تحصل وكتبتها لاحقا، أم انها تكتب بلسان والدتها. ثمة وصف لمعارك ولحظات، ربما لا يكتبها إلا من شارك فيها؟!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها