الخميس 2019/02/14

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

"64" لكميل سلامة... حين تكون الحياة ممسحة

الخميس 2019/02/14
"64" لكميل سلامة... حين تكون الحياة ممسحة
حضور سلامة ممثلاً، أشبه بصورة التُقطت في الثمانينات.. رغم ملامحها المبهمة، فيها جمال النوستالجيا
increase حجم الخط decrease
كل حبكة مسرحية "64"، للمخرج والممثل والكاتب كميل سلامة، مبنية على اسم بطلها:  "راضي"، هذا هو اسمه. ورث أيضاً لقب أبو شوقي رغم أن الحياة لم تمنحه تجربة الأبوة... فأتت ممسحة الغبار بمثابة تعويض عن فقده كل العلاقات العائلية التي كانت أو كادت أن تكون. انها حكايةُ راضي والغبار إذاً. 

ليس مسح الغبار هنا مهنة لشخصية رسم معالمها كميل سلامة بشاعرية عالم السذّج فحسب. هنالك رمزية لهشاشة الأشياء والكائنات، تتبلور مع عامل مرور الزمن... والزمن هو هنا بشكل ما، غبار لشخصية لم تتبدل كشخصية راضي: هو عامل تنظيفات في محكمة. له علاقة مميزة مع ممسحة الغبار، وفي هذا الأمر أيضاً رمزية أخرى. يحادثها، يمازحها، يلاعبها يستنجد بجدته ليلاعبها طالباً منها تكرار عبارة "خشبة الحبس حبسة خمس خشبات وخشبة". الجدة هي أيضاً مرجع في أعمال كميل سلامة السابقة، غالباً ما يستحضرها، وغالباً ما يستحضر لحظات من الماضي ليفكر في ما مضى...

هنالك تقاطع نسبي بين عمل كميل سلامة السابق "انجازات حياة" و"64" رغم أن السياقات مختلفة كلياً، ورغم أن تيمة المسرحية الأولى مغايرة تماماً عن تيمة "64"... لكن القاسم المشترك بين العملين يكمن في رغبة المخرج بالقيام بجردة حساب مع الحياة. فبينما تتحدث انجازات حياة عن ممثل يستذكر مفاصل حياته كاملةً ريثما يستعد لتسلّم جائزة عن "انجازات حياته"، تتناول "64" بشكل أكثر مباشرة محاكمة لخيارات حياة عامل تنظيفات، لم ينتفض يوماً في المحكمة التي يعمل فيها وصودف أنه يدعى راضي.   
سلسلة الرضا تلك، وعلاقة راضي مع ممسحته، تُستَقطع عند ظهور امرأة على قوس المحكمة، قاضية، تحاكم راضي: لماذا هو "راضي" طوال الوقت؟ لماذا لم يبكِ حين وُلِد؟ لماذا لم يصرخ حين قرصته جدته على مؤخرته؟ لماذا لم يعترض على أمور كثيرة في حياته؟ لماذا لم يعترض على السلوك الطبقي لحبيبته؟

لماذا لم يعبّر عن خذلانه عندما ابتعد اخوته عنه وأهملوه رغم انتشارهم في بلدان شتى ورغم أن أبو شوقي ترك مدرسته في سن الثانية عشرة لكي يتعلم باقي أخواته؟ لماذا لم يبكِ على وفاة أمه؟ لماذا لا ينفعل في شيء؟ 

هنالك انمساح أمام ظروف الحياة تماماً كمل تفعل الممسحة: تلتقط نثرات الغبار... تمتصها تماماً كما يمتص "راضي" كل ما مرّ به من دون أي اعتراض أو حتى تسجيل موقف أو رد فعلٍ غاضب!! وفي المرة الوحيدة التي سُنح له أن ينتقم مما يغضبه، مما يحزنه... لن ينتقم الا من نفسه... عبثاً حاولت القاضية محاكمة رضوخ راضي: استحضرت والدته، الفتاة التي أحبها وتحمل اسم والدته نفسه، الميليشياوي الذي يعرفه، وغيرهم، من دون أن يتغير شيء في منسوب الرضا العالي لدى راضي وهو الذي أدرك فجأة أنه بلغ من العمر 64 عاماً، 52 منها في المحكمة، ولم يتمكن من تأسيس عائلة... وفي المرة الوحيدة التي تشجع فيها للإعتراض ولقول ما لم يقله طوال حياته، حصل ما لم يكن في الحسبان. 

رمزية هذا النص جميلة، لكنها لم تأخذ مداها الدرامي، لأنها علقت في خانة تمرير الرسائل الأخلاقية مع إطالات في التمهيد للأفكار أحياناً وطرحهاً أحياناً أخرى: في هذا السياق، يتحوّل كل من الحكاية والرمز الى وسيلتين لتمرير الرسائل والجمل التي جُهزت مسبقاً، بدلاً من أن تكون نابعة من صلب الشخصيات والأحداث، فتفقد الرمزية بعضاً من جماليتها. وكما شكلت نهاية "إنجازات حياة" عنصر مفاجأة، تبقى نهاية عرض "64" عنصر مفاجأة ايجابياً نوعاً ما... وحضور كميل سلامة ممثلاً على الخشبة، من الممكن تشبيهه بصورة sepia التُقطت في الثمانينات: الصورة، رغم ملامحها المبهمة، قد يكون فيها جمال النوستالجيا. 

(*) 64، من 7 شباط وحتى 3 آذار 2019.
تأليف وإخراج: كميل سلامه، تمثيل، كميل سلامه، رولا بقسماتي، إدمون خوري، هبة نجم.
في مسرح "دوّار الشمس" الساعة الثامنة والنصف مساء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها