الجمعة 2019/02/01

آخر تحديث: 13:40 (بيروت)

محمد داوود، إنجوي!

الجمعة 2019/02/01
محمد داوود، إنجوي!
ارشيف: مبنى وزارة الثقافة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ما أن يسمع شغيل الصحافة الثقافية بخبر تشكيل الحكومة، حتى يفتش عن وزير الثقافة الجديد، وللحظة، يتخيل انه يكتب تعليقاً بعنوان "هذه تحديات محمد داوود". وفي أثناء ذلك، يحاول تذكر الوزير القديم، لكنه لا يقدر، وعندها تنحسر مخيلته بعدما شطت، ويتنبه إلى أنه في الأساس، وطوال انشغاله بشؤون الثقافة ومقالبها في بلاده الرائعة، لا يكاد يتذكر وزاراتها. 

فقد اعتاد على النظر إليها كمؤسسة سابقة، تماماً كما لو أنها برنامج من تلك البرامج التي يعيد  "تلفزيون لبنان" بثها من أرشيفه، بحيث انها موجودة بلا شك، لكن في زمن ماضٍ. وربما تعززت نظرته تلك اليها بسبب بعض الأخبار حولها. فها هي تطلق جائزة الرواية العربية، وقد قسمتها إلى فئتين، رواية العام، والرواية الناشئة. الأولى، فاز بها رشيد الضعيف، والثانية، ألغتها لأنها لم تجد "رواية ناشئة"، رغم أن الإنتاج الروائي "الناشئ" تحديداً، متوافر بكثرة، وأحياناً يتوقف عند "نشوئه". بالتالي، بدت الوزارة منقطعة عما يدور في المجال، الذي من المفترض أنها تهتم به، كما أن هذا المجال، من جهته، نسي موقعها فيه.

بيد ان انقطاع الوزارة عن الثقافة، عن حاضرها، لا يعني انها لا تهتم بها مثلما كانت في الماضي. طبعاً، لا. فمن حين إلى ثانٍ، ترعى الوزارة حفلات زجل، بالإضافة إلى عروض فولكلورية، وبعض الندوات عن التعايش والعيش المشترك. أما في الأوقات الأخرى، فتعلن وفاة هذا الفنان، أو رحيل تلك الكاتبة، أي أنها تتحول إلى وزارة ناعية. وفي نهاية كل عام، تشارك، من زمنها الماضي نفسه، في تنظيم معرض الكتاب، الذي، ومن دورة إلى أخرى، يقترب من كونه ملعباً للغبار.

لكن، ما هذا الترف في الحديث عن وزارة الثقافة؟ كما لو أنه يستند إلى اعتقاد بأن الوزارات المتبقية على ما يرام أكثر منها، وكما لو أنه الكلام في بلد غير لبنان، وفي دولة غير دولته. فعلاً، يا له من ترف! إلا أن لوزارة الثقافة حصة من الموازنة العامة، وقد بلغت بين العامين 2017 و2018 حوالى 48 مليار ليرة، وحصتها هذه تفوق حصص كل من وزارة الصناعة والسياحة والاقتصاد والتجارة، ومعها، الشباب والرياضة والمهجرين والإعلام والاتصالات.

أين أنفقت تلك الحصة؟ كيف؟ لا داعي لهذه الاستفهامات البريئة والغبية، طالما أن المهتمين بالثقافة، المنشغلين بها، قد طوروا شعوراً حيال تلك الوزارة، مفاده رفضها في كل الأحوال، أكانت نشيطة أو عاطلة، وهذا، من باب تجنب الاعتماد عليها سلفاً. وعلى أساس هذا الشعور، يصير أي بحث في الوزارة إياها بلا جدوى وبلا طائل، طالما أن الثقافة في لبنان تستطيع أن تكون على قيد الحياة، ان تستكمل إحتضارها، أو بالأحرى أن تثبت عليه، بوزارة أو من دونها.

هذا الشعور راسخ في أفئدة أصحاب الباع الثقافي، وهو في الواقع اعتراني حين فتشتُ عن سيرة محمد داوود، فوقعت على صورته مرتدياً مريول الطبيب مزيناً بالأوسمة، وحاملاً درع شهادته. عندها، لم يبدُ لي كمن تسلم مسؤولية وزارة سابقة، ويتوجب عليه الآن الإقدام على عمل شاق، وهو جرها من الماضي إلى الحاضر، بل كمن جرى تعيينه في منصب، علاقته به تقتصر على قراءة الروايات التاريخية والعالمية. وكمَن، وبتعيينه هذا، حقق نجاحاً آخر بالتوازي مع ما يحققه في مهنته، ما يجعل أسرته تغتبط به.

بمعنى آخر، لم أهتم بما سيفعله في الوزارة، ومن اليسير أن أعمم لامبالاتي على معظم المنشغلين بالثقافة، الذين لا ينتظرون من محمد داوود أي شيء. ولهذا، عندما وقعت على صورته، حملتني على التوجه الى الظاهر فيها بتلك العبارة السطحية التي يرددها الكثيرون على مسامعنا حين نخبرهم أننا ننوي القيام بأي عمل من الأعمال: إنجوي (Enjoy، ومرادفها المحكي: انبسط).
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها