الثلاثاء 2019/12/31

آخر تحديث: 11:23 (بيروت)

كان عاماً ثقافياً مليئاً..بالتأسيس لما هو ضروري

الثلاثاء 2019/12/31
increase حجم الخط decrease


في حال أردنا استعمال تلك العبارة، التي تروج على "فايسبوك" للحديث عن العام المنصرم، أي "كان عاماً مليئاً بـ"، من أجل التعليق على وضع الثقافة خلال العام 2019، من الممكن القول أنه، بدايةً، "كان عاماً مليئاً بالمألوف". ذلك، أنه، وفي صعيد الإنتاج، لم يأتِ بثمارٍ غير تلك التي يجيء بها من سنة إلى أخرى. وهذه الثمار، وبتوزعها على مجالات عدة، بدت قليلة نوعاً ما، ولكن، قلتها لا علاقة لها بكونها مألوفة، فهي، وقبل عامين، كانت كثيرة، ومع ذلك، لم تكن تؤدي سوى إلى تكريس الركود.

على أن مألوف العام تخللته وقائع بعينها، غيرت وتيرته. فهو افتُتِح بوفاة مي منسى، ومن بعدها سهام نصر، ثم أمين الباشا، وفي النتيجة، بدا أن جيلا بعينه قد بدأ بالرحيل. بالتالي، شرعت الثقافة في طي صفحة من زمنها، وهي صفحة تأسيسية، لأجل الانطلاق في صفحة غيرها، لم تتشكل كل ملامحها، ولكن، من الممكن القول إنها، حتى الآن، تنطوي على إمكانات واحتمالات متعددة، أو بالأحرى مفتوحة. مع العلم ان هذه الصفحة، التي لا يمكن القول انها جديدة بتاتاً، تعج بالمألوف اياه، أو بالأحرى هي التي تنتجه، ولكن، في هوامشها، وبين سطورها، ثمة ما يشير إلى أنها لن تبقى كذلك، بل ستصير مسودة لصفحات لاحقة.

في كل الأحوال، العام إياه شهد بعض الأعمال، التي من الممكن الاشارة اليها، لا لحصره بها، إنما مجرد تذكير بما تخلله: معرض "يا" لعادل عابدين، فيلم "طرس، رحلة الصعود إلى الأعلى" لغسان حلواني، معرض "طريق العودة" لجمانة جمهوري، وسلسلة ليزا ميكي عن الغرافيتي في بيروت... بالطبع، من الممكن ادراج أعمال أخرى في هذا السياق، ولكن، ومع هذا، يظل سياقاً غير رحبٍ، لا، بل ان الأعمال التي تلمع فيه، لا تمت لمتنه بصلة. سياق "الإنتاج" هذا، ومع أنه، في الكثير من الأحيان، يبدو متواصلاً، غير أنه ليس بالفعل سوى أقرب إلى الجمود. وهنا، لا يمكن، سوى الملاحظة ان هذا الجمود "ينتج"، ولكنه، في الواقع، أبعد من بناء ثقافة، أي، وعلى الاقل، عن طرح الاسئلة.

على أن العام 2019 كان عام الدفاع عن الحريات، لا سيما حرية التعبير والرأي الفنيين، بحيث أن الكنيسة كان قد أعلنت حملتها ضد "مشروع ليلى" بسبب أغنية من اغنياتها، ما أدى إلى الرد عليها بالتضامن العام مع الفرقة واعضائها. في هذه اللحظة، بدا ان الثقافة، من ناحيتها الفنية، صارت ترتطم وتدافع، اي تقدم على البديهي من أجل وجودها. ولكن، ظهورها على هذا النحو، لم يستمر طويلا، بحيث عادت وضمرت، خصوصاً أمام إشكاليات تتعلق بوسطها، بالمعنى الواسع، وضمورها هذا غالباً ما حمل على التأكد من أمر بعينه، وهو سقوط الوسط ذاته.

وفي 17 تشرين الاول، غدا هذا السقوط جلياً، بحيث أن ذلك الوسط إستوى على كونه لا علاقة له بالحدث الثوري، ولا بشعبه، إنما يتأرجح بين التقادم والظلامية المدنية. فمؤسساته، وفي اغلبها، بدت أنها، وفي إثر ذلك الحدث، لا تتحمله، بما هو اضراب مثلاً، بل انها جزء من النظام الساقط الذي يواجهه. ولكنها، لكي تلتف على وضعها هذا، حاول عدد كبير منها، وبطريقة كوميدية، تنظيم تظاهرة عمالية ودعوة موظفيها إليهم!


على هذا النحو، انتهى العام 2019 بما هو "مألوف" أيضاً، بمعنى متوقع، أي إثبات انفصال الإنتاج الثقافي عن الثقافة، بحيث أن الاول يدور في وسط الثانية لكنه لا يصنعها، بل ان هذا الوسط يقوم بمنع وجودها، أو بتحديده على الاقل. وهكذا، ينزع الإنتاج إلى كونه لا يتراكم، ولا يترك أثراً، بل ما أن يتم حتى يزول، وبعد ذلك، يولد التعليق نفسه عن حصاده، الذي يتكرر من عام إلى ثان. ولكن، هذه المرة لا ينتهي الى خلاصة الملل نفسها، إنما إلى الاشارة إلى أن ثقافة أخرى صارت ممكنة عاجلاً أم آجلاً، وهذا، لأنها صارت ضرورية أكثر فأكثر. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها