الخميس 2019/12/26

آخر تحديث: 13:57 (بيروت)

مصر 2019: مظلومية خالد لطفي.. ونجاح جوخة الحارثي

الخميس 2019/12/26
مصر 2019: مظلومية خالد لطفي.. ونجاح جوخة الحارثي
خالد لطفي خمس سنوات في السجن من اجل لاشيء
increase حجم الخط decrease
في مصر، افتتح العام 2019 بحبس الناشر خالد لطفي صاحب "مكتبة تنمية"، وانتهى بتأييد حبسه ورفض الطعن... كان هذا دلالة على قسوة البداية والنهاية. وشهد 2019 أيضاً نقل معرض القاهرة الدولي للكتاب إلى ضاحية التجمع الخامس النائية، وكان ذلك بمثابة انتزاع قلب فعالياتها الثقافية النابضة، والمناسبة الوحيدة الصالحة لتجمع نخبة مثقفيها المصريين مع العرب، ولقاء تيارات أدبية مختلفة ومتنوعة، في وقت واحد، في قلب ضاحية مدينة نصر في القاهرة، إلا أن إرادة حديدية انقضّت على معرض القاهرة وانتزعته من أيدي المثقفين، وألقته بعيداً، حيث الحي الراقي الذي يسكنه أغنياء في "كمباوندات" مغلقة، وما كان ينقصهم أبداً أن يجلبوا إليهم زحام المعرض وتكدس القراء، الذين يحج بعضهم إليه من محافظات بعيدة شمالاً وجنوباً لزيارة هذا الحدث الكبير مرة واحدة في العام، فإذا ببوصلتهم تتغير إلى حي ناءٍ هو حي التجمع الخامس.

معرض في صحراء
كانت سعادة الناشرين المصريين في معرض الكتاب في موضعه الجديد، تفوق وتغلب سعادة القراء وزوار المعرض، إذ إن الطوابير التي كان تعيّن على الحلقة الأقوى في صناعة النشر وهم القراء/المشترون أن يقفوا فيها، طويلة للغاية حتى ينجحوا في الولوج إلى حرم المعرض الرئيسي، ليواجهوا طوابير أخرى للتفتيش عند الدخول إلى كل صالة من صالات المعرض. لكن هذا لم يهم إدارة المعرض، أي "هيئة الكتاب"، بل بدت مسألة التفتيش والاستحكامات الأمنية خارجة عن إراداتهم، ومفروضة عليهم، لكن المسؤولين عن إدارة المعرض، لم يكتفوا بتقبّل نقد الطوابير الطويلة عن طيب خاطر والاتفاق مع أصحاب هذه التعليقات والسكوت، بل عينوا نخبة من الصحافيين المصريين الزملاء، تولوا مهمة مشاكسة كتاب الانتقادات، والتعليق على منشوراتهم بتعليقات مناوئة، بدا منها أن هيئة الكتاب ليس لديها أي استعداد لتقبل أي نقد موضوعي برحابة صدر، بل بادرت إلى الهجوم وللأسف بالاستعانة بصحافيين زملاء.



رويداً رويداً، ظهر أن الراضين بنقل معرضهم إلى أرض جديدة وضاحية بعيدة، حصل كل منهم على مساحات صغيرة، لا تعرض حوامل كتبهم (الستاندات) إصداراتهم بشكل جيد، بل وبعد قليل، تبين أن أرض المعرض الجديدة صغيرة وغير قادرة على استيعاب الناشرين جميعاً، وهو ما حدا بأحد كبار الناشرين المصريين إلى التنازل عن نصف مساحته لزملائه الناشرين الآخرين وكان هو المتطوع الوحيد الذي قدّم هذه التضحية.

كتاب "الملاك"
في أبريل/نيسان 2018 اختفى خالد لطفي فجأة.. خالد أسس مع شقيقه "مكتبة تنمية" قبل سنوات، وكانت المكتبة مشروعاً صغيراً ظهر إلى النور وسط كيانات عملاقة موجودة في المنطقة نفسها. وتسارعت وتيرة نجاح خالد وشقيقه محمود، بعدما دخلا مجال توزيع الكتب بكامل طاقتهما، واستثمرا علاقاتما مع الناشرين العرب للحصول على توكيلاتهم لتوزيع كتبهم في القاهرة. وبعدما كانت سلاسل المكتبات الكبيرة توفر هذه الكتب بشكل موسمي في أعقاب معرض الكتاب، صارت كتب دور النشر العربية متوافرة طيلة العام، بمجرد صدورها في الدول العربية المختلفة.. وصارت "تنمية" بمثابة ذراع توزيع عملاقة تحقق المستحيل في معادلة النشر الصعبة، وصار يُنظر إليها بنظرات الحسد والحقد من طرف ناشرين نافذين، خصوصاً بعدما طوّر خالد لطفي فكرة طباعة الإصدارات العربية بطبعة مصرية لتصدر بثمن أرخص بالاتفاق مع دور النشر العربية الكبيرة، مثل "الآداب" و"الدار العربية" وغيرهما. استمر خالد ومحمود في نشر أعمال أدبية من الكتب الصادرة عن دور النشر العربية، إلى أن جاء كتاب "الملاك" عن قصة أشرف مروان، بما لها من حساسية وبما تنطوي عليه من أسرار، وقد صدر الكتاب مترجماً عن "الدار العربية"، للكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف. اللافت إن خالد لطفي لم يطبع الكتاب، إنما أعاد طرح نسخة بغرض التوزيع، أي أن مسؤوليته انتهت فقط عند دوره كموزع للكتاب، إلا أن المتربصين الراغبين في هدم مشروع خالد وبالتالي هدمه هو نفسه، بادروا إلى الإبلاغ عن الكتاب وعن خالد. وجاءت البلاغات بأشكال مختلفة، ما بين مقالات لصحافيين نافذين محسوبين على جهات أمنية، وما بين موزعي كتب لهم علاقاتهم مع الأمن. ووسط غبار كثير اكتنف مَن وقفوا وراء هذه البلاغات، كان يمكن للسلطة أن تقبل اعتذار خالد عن طباعة الكتاب الذي أغضبها، والذي يدور حول صهر عبد الناصر محل الجدل وهو بطل القصة الشهيرة التي تحولت في ما بعد إلى فيلم بثته شبكة "نتفليكس"... كان في وسع السلطة أن تطوي صفحة خالد لطفي، وألا تمعن في عقابه بهذا الشكل، وأن تكتفي بتغريمه، وقبول إجراءات إعدامه لنُسخ الكتاب الباقية. العجيب أن كاتباً مثل صلاح منتصر، ظل ينشر مقتطفات من الكتاب على مدار حلقات في أهم وأبرز الصحف المستقلة، والتي كانت، طيلة فترة القضية التي بدأت في تشرين 2018، ثم تأكد الحكم على خالد في شباط 2019، وأخيراً رفضت محكمة النقض قبول طعنه هذه الأيام ليقضي خالد من عمره خمس سنوات في السجن بسبب جُرم لم يرتكبه، في نهاية سيئة للعام.

غربة نجيب محفوظ في متحفه
ومن أبرز الأحداث التي شهدتها القاهرة في العام 2019، والتي وازنت الأمور مع محنة معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد نقله بعيداً، كان استكمال مشروع متحف نجيب محفوظ الذي ظل معلقاً طيلة 13 عاماً، منذ أن أُعلن عنه عقب رحيل محفوظ في 2006. وكانت وزارة الثقافة، في مختلف عهود وزرائها، قد فشلت إنهاء هذا المشروع، حتى جاءت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم واستكملت المشروع، وافتتح على عجل من دون تمهيد، رغم أنه حدث مصر الثقافي الجلل والمنتظر منذ سنوات. وهكذا، فوجئ المثقفون المصريون بانتهاء الوزارة من أعمال المتحف في تكية أبو الدهب، وهو الأمير الذي كان ذراع علي بك الكبير اليمنى وصهره، وتولى منصب الخازندار، أي المشرف على خزانة الدولة، وبنى هذه التكية للفقراء، عقب توليه المنصب، وصار في الشوارع ينثر عليهم الذهب، فسُمي بأبي الذهب. ولاحقاً، سيتحول الحي الذي أقام فيه أبو الذهب تكيته، مرتعاً لتجار المخدرات، تداهمه قوات الشرطة بين الحين والآخر. وعلى الرغم من قرب التكية إلى منطقة الجمالية، فإن المسؤولين عن المتحف لم يجدوا غيرها لتكون متحفاً لصاحب نوبل، ورددوا في دفوعهم عن الانتقادات التي أصابتهم جراء اختيار المكان، بأن أجواء التكية تشبه إلى حد كبير أجواء ثلاثية القاهرة التي كتبها محفوظ في أحياء "بين القصرين" و"السكرية" و"قصر الشوق". وعجزت الدولة، ممثلة في وزارة الثقافة، عن العثور على مكان لإقامة متحف نجيب محفوظ في ميدان بيت القاضي، حيث وُلد، كما لم تعثر على مكان في منطقة "بين القصرين" أو "شارع المعز لدين الله" وهو الشارع الشهير سياحياً والمطور جيداً من الوزارة نفسها. ومع ذلك، لم يكن هناك مفر من الابتعاد عن هذا المكان بأكمله والذهاب إلى "تكية أبو الدهب".

لم يكن بُعد المسافة هو الانتقاد الوحيد الذي ناله المتحف المنتظر منذ أكثر من عقد، إذ فوجئ الحضور بغياب عرض متحفي متطور عن المتحف، والاكتفاء بتوزيع أقاويل منسوبة لشخصيات نجيب محفوظ في أعماله الروائية، وتخصيص قاعة من قاعات المتحف لموظفي الآثار. وسرَت، خلال حفلة الافتتاح، مزاعم أن الوزارة فقدت سجادة نجيب محفوظ التي أهداها له زين العابدين بن علي، وأهدتها الأسرة لوزارة الثقافة لتضمّها إلى المقتنيات، ثم ظهرت ابنته أم كلثوم تلفزيونياً ونفت هذه المزاعم، وشددت على أنها أهدت "بالطو" (معطف) نجيب محفوظ للمتحف.


جوخة الحارثي وأحقاد النخبة
فازت الأديبة والقاصة العُمانية، جوخة الحارثي، بجائزة "مان بوكر الدولية" لأفضل رواية مترجمة إلى الإنكليزية عن روايتها "سيدات القمر". فوز الحارثي بالجائزة، فيما يُعد فتحاً أدبياً للأدب العربي الذي ينال هذه الجائزة للمرة الأولى، أثار أحقاد مختلف فئات النخبة الثقافية المصرية، بدلاً من أن يسعدهم أن روائية عربية نالت الجائزة، وتوّجت بعملها الأدب العربي كله، إذ لم يفُز بها روائي عربي مطلقاً منذ أن انطلقة العام 2005. واللافت إن رواية "سيدات القمر"، الصادرة العام 2010 عن دار الآداب، لم تظهر أبداً في لوائح جوائز "بوكر العربية" الطويلة أو القصيرة منذ تأسيس الجائزة العام 2009، ولم يظهر اسم الحارثي نفسها، على الرغم من إصدارها روايتها "نارنجة" العام 2016. وقد انشغلت النخبة الثقافية العربية بالشجار حول حجابها عقب إعلان الجائزة، بدلاً من مناقشة إبداعها. كما انشغل آخرون بنِسبة نجاحها إلى الترجمة إلى الإنكليزية كعادة النخبة في جَلد الناجحين وتحميل نجاحهم أسباب أخرى: إما التطبيع.. وإما تفوق الترجمة على النص الأصلي. لكنها كلها أسباب كاذبة، إذ يعطي نجاح جوخة الحارثي مثالاً على فوز الدأب والاجتهاد والصمت والصبر، على الشِّللية والتربيطات والمؤامرات الثقافية التي تسود غالبية مجتمعاتنا العربية وأوساط كُتّابها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها