السبت 2019/12/21

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

هل يقع السنّة في فخّ حزب الله؟

السبت 2019/12/21
هل يقع السنّة في فخّ حزب الله؟
مواجهات بين الجيش ومناصري "تيار المستقبل" في كورنيش المزرعة (المدن)
increase حجم الخط decrease
منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، لم تختلط الأوراق في لبنان كما اختلطت بعد تكليف الدكتور حسّان دياب بتشكيل حكومة «الإنقاذ». تعالوا نضع الأمور في نصابها. هذا التكليف هو «ضربة معلّم» لحزب الله وحلفائه. فهو، أوّلاً، رسالة لا لبس فيها إلى المجتمع الدوليّ، وكأنّي بحزب الله يقول للأميركيّين ومن لفّ لفّهم: «الأمر لي»، وذلك قبل زيارة المبعوث الأميركيّ ديفيد هيل بيوم واحد. وهو، ثانياً، ضربة تأديبيّة قاسية لسعد الحريري الذي أوغل خلال الشهرين الماضيين في استعراض بهلوانيّاته السياسيّة، التي لم يجنِ منها سوى القبض على الريح، أي تعذّر قطع تذكرة للانتقال من بيت الوسط إلى تلّة السراي السعيدة. وهذا التكليف أفضى، ثالثاً، إلى شدّ العصب القبليّ لدى مناصري الحريري، الذين عمدوا إلى حرق الإطارات وقطع الطرق، ما يهدّد بأن تبتلع الغريزة الطائفيّة الكريهة انتفاضة اللبنانيّين المباركة، فيُعاد إنتاج النظام التحاصصيّ الذي يحكم البلد منذ ثلاثين عاماً باسم المحافظة على «السلم الأهليّ». وهذا بالذات ما تسعى إليه المنظومة السياسيّة الفاسدة، وحزب الله على الأخصّ بوصفه حارس هذه المنظومة والمناضل الشرس في سبيل الإبقاء عليها.

بخلاف ما تشيّع له أبواق السلطة من ضرورة تأليف حكومة في أسرع وقت تلافياً للانهيار، لقد حوّل تكليف حسّان دياب هذا التأليف إلى مجرّد تفصيل في حسابات الذين يريدون استعادة المعادلة «الميثاقيّة» اللاأخلاقيّة طمعاً في إرجاع عقارب الزمن إلى الوراء. فالذين يمسكون بخيوط اللعبة يدركون جيّداً أنّ الدكتور دياب لن يتمكّن من تشكيل حكومة إلاّ إذا فُصّلت على مقاسهم وأتت خادمةً لغاياتهم. أمّا إذا فشل، فهذا كفيل باستعادة سعد الحريري بوصفه الاحتمال الأقوى، ولا سيّما أنّ الرجل مهووس بالسراي وتلّة السراي، ولكن هذه المرّة مع ليّ ذراعه وردّه إلى «بيت الطاعة» لكونه يعرف أنّ هذه ستكون فرصته الأخيرة لترميم «مستقبله» السياسيّ. خروج الشيخ سعد من الباب وعودته من الشبّاك، إذا حصلا، سيشكّلان تكريساً للمنطق «الميثاقيّ» الجائر وتقويضاً لأحلام الثوّار بدولة مدنيّة تُخرج لبنان من براثن التحاصص الطائفيّ. أمّا إذا مكث خائباً خاوي الوفاض في بيت الوسط، فهذا يضاعف في إمكان تحوّل المخزون الطائفيّ المحبط لدى المتضامنين مع الحريريّ من أهل السنّة إلى عنف في الشارع يختلط معه السعي الثوريّ إلى مواطنة حقيقيّة بمعادلة حقوق الطائفة، ما سيفضي، في نهاية المطاف، إلى انحراف الثورة عن مساراتها والقضاء عليها.

ينتج من هذا كلّه أنّ انتفاضة شباب لبنان وبناته تقف اليوم أمام امتحانها الأخطر والأصعب. ولعلّ «بيضة القبّان» في هذا الامتحان هم أهل السنّة، الذين هم وحدهم يقرّرون الانجراف، أو عدم الانجراف، إلى الفخّ المذهبيّ والطائفيّ الذي نصبه لهم حزب الله وأعوانه بعدما غلّفوه بطبقة رقيقة من السمن والعسل أطلقوا عليها اسم «الميثاقيّة». إنّ من يقرأ بدقّة دلالات مشهد الشحن الطائفيّ الذي شهدته كلّ من بيروت وطرابلس غداة الاستشارات النيابيّة الملزمة يدرك أنّنا كنّا نبصر بأمّ العين مقدّمات المكيدة التي تُنصب للثورة، والتي قرّر حكّام لبنان أنّ أهل السنّة يجب أن يكونوا وقودها، ولا سيّما أنصار سعد الحريري الذين ما زالوا يصدّقون أوهام الحريريّة السياسيّة ولم يلتقطوا بعد أنّها تصدّعت وأفلست وهي في طريقها إلى الانهيار الحتميّ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها