حجم الخط
مشاركة عبر
صدر عن سلسلة "دراسات معجمية ولسانية" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب حسين السوداني "أثر فردينان دي سوسير في البحث اللغوي العربي - التلقي العربي للسانيات"، ويدرس فيه مؤلفه أثر دي سوسير في البحث اللغوي العربي من منطلق أنّ دروسه في اللسانيات بمنزلة كتاب سيبويه في النحو العربي. وأتاح هذا الخيار المنهجي دراسة التلقّي في كليته انطلاقًا من فحص مجهريّ لكيفيات تمثل دقائقه، فزاوج البحث بين مستويين من الاستقراء؛ جعل الأوّل للإلمام بالملابسات التي هيّأت لاطّلاع الدارسين العرب على النظريات والأفكار، وجعل الثاني للتَّفحّص الداخلي لأوْجُه تمثُّل الدارسين للنظريات وسياقات توظيفهم لها وكيفيات عرْضهم لأسسها.
بعد مئة عام
رسم المؤلف خريطة زمنية لما بعد ظهور سوسير، وفق تصور تأليفي لحصيلة قرن من الدراسات اللسانية بعد ظهور دروس سوسير، متناولًا فردينان دي سوسير متعلّمًا في قرن الدراسات التطوّرية، ومدرّسًا وباحثًا، ومنتقلًا من الجامعة إلى العالم، وأثره في البحث اللغوي. ويرى السوداني أن سوسير "وإن لم يكن اللغوي الوحيد الأوحد الذي اهتدى في زمانه إلى ما ورد في دروسه من مفاهيم، فإنه استطاع أن يجعل قبل غيره، من هذه المعاني والأفكار، نظامًا فخمًا دقيقًا منسجم الأطراف بعيد الغور، فأبدى سوسير في كل ذلك قدرة على توضيح المفاهيم الغامضة وتركيب المعاني المنفصلة المتباعدة والتوفيق بين النظريات المتنافية".
اكتشاف سوسير
اكتشاف سوسير
في الفصل الثاني، "من نشوئية المعرفة اللغوية العربية المعاصرة إلى اكتشاف فردينان دي سوسير"، ينظر السوداني في الملابسات التي مهدت لاندراج آراء سوسير في البحوث اللغوية العربية، باحثًا من خلال اللحظات السابقة لاكتشاف سوسير عن سبب تأخر الاهتمام بآرائه.
يجد المؤلف أن معطيات عديدة تضافرت لتؤخر اطّلاع العرب على آراء سوسير؛ تتمثل في المشرق في التبعية إلى ما ساد في البحث اللغوي في الجامعة الألمانية، "أما في المغرب العربي فإن واقع الاستعمار أرجأ اكتشاف سوسير إلى حين تأسيس الجامعة بعد الاستقلال. ولم تُعلن البحوث اللغوية العربية مرجعية سوسيرية صريحة إلّا خلال العقد الخامس من القرن العشرين، رغم أنّ الاطّلاع على الاتجاهات اللسانية الحديثة تمّ مبكرًا في الشرق خاصة".
وخصص السوداني الفصل الثالث، "الوصفية في البحوث اللغوية العربية المعاصرة"، لاستقراء ملابسات تبلور مقاربات وصفية عربية ناشئة بخلفية لسانية حديثة أو ناجمة عن تخلقات منهجية ذاتية. يقول المؤلف إن تأسيس موقع صريح لسوسير ضمن البحوث اللغوية العربية إنما تحقق فعليًّا لمّا عاد من تتلمذوا في مدارس أوروبية، ولم يكن هؤلاء متفرغين في كل الحالات للبحث اللغوي، وإنما راوحت اهتمامات بعضهم بين علم الاجتماع والنقد الأدبي.
وخصص السوداني الفصل الثالث، "الوصفية في البحوث اللغوية العربية المعاصرة"، لاستقراء ملابسات تبلور مقاربات وصفية عربية ناشئة بخلفية لسانية حديثة أو ناجمة عن تخلقات منهجية ذاتية. يقول المؤلف إن تأسيس موقع صريح لسوسير ضمن البحوث اللغوية العربية إنما تحقق فعليًّا لمّا عاد من تتلمذوا في مدارس أوروبية، ولم يكن هؤلاء متفرغين في كل الحالات للبحث اللغوي، وإنما راوحت اهتمامات بعضهم بين علم الاجتماع والنقد الأدبي.
وفي الفصل الرابع، يبحث المؤلف في المعطيات التي هيأت لتحقيق وعي عميق بالمقومات النظرية للسانيات السوسيرية خلال أواخر ستينيات القرن العشرين وسبعينياته. ففي خلال هذين العقدين، تضافرت معطيات عدة لخلق نقلة نوعية في وعي اللغويين العرب باللسانيات السوسيرية. أبرز هذه المعطيات انخراط المغرب العربي في البحث اللساني، واطّلاع اللغويين في المشرق على اللسانيات الأنكلوسكسونية؛ إذ "اجتمعت ملابسات عدة جعلت اللغويين في المغرب أوفر اطّلاعًا على آراء سوسير، وأعمق تبصّرًا بها، كما أن اطّلاع اللغويين في المشرق على اللغويات الأنكلوسكسونية أحالهم بكيفيات مختلفة على السيرورة التي تنتظم بحوث اللغة؛ فانبرى بعضهم يعقد المقارنات بين المقومات النظرية للسانيات سوسير والمنطلقات التأسيسية للتيارات اللسانية اللاحقة".

الوعي باللسانيات السوسيرية

الوعي باللسانيات السوسيرية
في الفصل الخامس، "تبلور الوعي باللسانيات السوسيرية والسعي إلى تقديمها تقديمًا متّسقًا"، يتبحّر السوداني في دراسة الفترة الممتدة من نشأة المبحث الأسلوبي إلى ظهور الترجمات العربية الخمس لدروس سوسير، وتُعتبر هذه الفترة تتويجًا للمراحل السابقة؛ إذ تعددت خلالها أوجه تعامل اللغويين العرب مع آراء سوسير تقديمًا وتوظيفًا ومُحاوَرة.
ويرى السوداني أنّ اطّلاع الباحثين العرب على سوسير تمّ على نحو تصاعدي ملحوظ، فنجد أن العقدين التاسع والعاشر من القرن العشرين شهدا أوج الاهتمام باللسانيات السوسيرية. وهو أمر يمكن تفسيره بالتحاق المغرب العربي بالبحث اللساني بعد استقلال دوله وتأسيس الجامعات وبعض مراكز البحث فيها، وقد أتاحت الخلفية الثقافية الفرنكوفونية للباحثين أن يكون انفتاحهم في المغرب العربي على اللسانيات السوسيرية مباشرة بلغتها الفرنسية؛ وبالتطور الذي شهدته الدراسات اللسانية في المشرق العربي، لا سيما لدى الجيل اللاحق للرواد. وفي أواخر القرن العشرين، ما عاد الاهتمام باللسانيات السوسيرية منحصرًا في التقديم والعرض، بل أصبحت آراء سوسير ومفاهيمه خلفية لقراءة التراث وأداة نظرية لمعالجة الظواهر اللغوية، وما عادت البحوث مكتفية بالعرض، إذ أُنجز منها ما يناقش الدرس السوسيري من حيث الخلفيات والأصول ودرجة الجدّة.
إشكاليات الترجمة
إشكاليات الترجمة
في الفصل السادس، "ترجمة دروس فردينان دي سوسير وإشكالية المصطلح اللساني"، يقول المؤلف إن أهم ما يخلص إليه من رصد تداول الجهاز المصطلحي السوسيري في البحوث اللغوية العربية هو التنامي الحاصل في وعي اللغويين العرب المعاصرين بالمصطلح السوسيري. وهو تنامٍ حاصل في مستوى الوعي بالمفهوم من جهة، وفي مستوى الأداة التوليدية من جهة أخرى.
ويعدّ السوداني هذا التنامي حصيلة تطور الأداة التوليدية التي يباشر بها اللغويون المصطلح اللساني في لفظه الدخيل؛ "فقد شاع عند اللغويين في أواسط القرن العشرين أن يتوسّل بالتعريب أداة توليدية، وهو توسّل خلفيته الحذرُ من مجانبة مدلول الدالّ الأجنبي، لذلك نجد من اللغويين، نحو حسّان والسعران وبشر، من يحرص على إيراد اللفظ الفرنسي إلى جانب اللفظ العربي. على أن هذه الفترة لم تخلُ من محاولات لتركيز مقابلات عربية للدوالّ اللسانية الوافدة، ولكنها محاولات ربما أبطأها الحرص على الأمانة المعرفية أو الخشية من التباسها بالتراث القومي".
نيو-سوسيريات
نيو-سوسيريات
في الفصل السابع والأخير، "السوسيريات الجديدة"، يدرس السوداني التلقي العربي لسوسير في مطلع القرن الحادي والعشرين، أي في الفترة التي اتسمت باحتفال الأوساط العلمية العالمية بمئوية وفاة سوسير ثم مئوية ظهور كتابه، وتزامن ذلك مع ظهور مجموعة أخرى من بحوث سوسير.
ويقول المؤلف إن مراجعة التلقّي العربي لسوسير، في العقدين الأوّلين من القرن الحالي، تحيلنا إلى معطيات لا تجعلنا نرى في البحوث اللغوية العربية المتعلقة بسوسير في هذه الفترة سوى أربع سمات: الأولى، الباحث العربي لا يزال يتعامل مع الدرس اللساني بنظرة عجلى، فيها من التسرع ما يصرف عن الاستثمار والنقد؛ والثانية، غياب التنسيق في الأوساط البحثية العربية رغم ما أصبح متاحًا من إمكانيات التشبيك والتواصل؛ والثالثة، غلبة التقديم المدرسي لآراء سوسير من دون تطوير حقيقي، واللافت في هذا الجانب أن كثيرًا من الكتابات تبلغ درجة من التسطيح تجعلها تجانب ما يراه سوسير فعليًا؛ والرابعة، البحوث يكرّر بعضها بعضًا، فحتى اتهام اللاحق للسابق بالتقصير والقصور في فهم سوسير هو أيضًا من المتكرر، على أنّ نواحيَ مهمة لو تحققت لتوافرت نواة صلبة للتجديد في البحث اللغوي العربي.
حسين السوداني
ويقول المؤلف إن مراجعة التلقّي العربي لسوسير، في العقدين الأوّلين من القرن الحالي، تحيلنا إلى معطيات لا تجعلنا نرى في البحوث اللغوية العربية المتعلقة بسوسير في هذه الفترة سوى أربع سمات: الأولى، الباحث العربي لا يزال يتعامل مع الدرس اللساني بنظرة عجلى، فيها من التسرع ما يصرف عن الاستثمار والنقد؛ والثانية، غياب التنسيق في الأوساط البحثية العربية رغم ما أصبح متاحًا من إمكانيات التشبيك والتواصل؛ والثالثة، غلبة التقديم المدرسي لآراء سوسير من دون تطوير حقيقي، واللافت في هذا الجانب أن كثيرًا من الكتابات تبلغ درجة من التسطيح تجعلها تجانب ما يراه سوسير فعليًا؛ والرابعة، البحوث يكرّر بعضها بعضًا، فحتى اتهام اللاحق للسابق بالتقصير والقصور في فهم سوسير هو أيضًا من المتكرر، على أنّ نواحيَ مهمة لو تحققت لتوافرت نواة صلبة للتجديد في البحث اللغوي العربي.
حسين السوداني
حاصل على درجة التبريز من الجامعة التونسية وعلى الدكتوراه في اللسانيات بدرجة الشرف الأولى، وعلى شهادة الدراسات المعمقة بملاحظة جيد جدًا؛ عضو فريق البحث في "تحليل الخطاب" ثم في مخبر "نحو الخطاب وبلاغة التداول" بجامعة منوبة تونس؛ أستاذ علوم اللغة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس وبجامعة تونس الافتراضية. أنجز العديد من البحوث في اللسانيات، وله مشاركات علمية في علوم اللغة في جامعات عربية وغربية؛ رئيس تحرير مجلة ميزان الترجمة الصادرة عن المركز الوطني للترجمة بتونس، ومُراجع العديد من منشورات المركز.
له اهتمام بتطبيقات علمَي اللسانيات والسيميائيات انطلاقًا من رسائل ماجستير أشرف عليها وبحوث أنجزها في سياق لغة الإشارات والترجمة. شغل خطة خبير لغويّ بمعجم الدوحة التاريخي للّغة العربية ابتداء من عام 2014. صدر له كتاب أصول التفكير الدلالي عند العرب (2017). حصل على جائزة الألكسو - الشارقة للسانيات لعام 2018 (المرتبة الأولى). يعمل الآن أستاذًا للسانيات بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
له اهتمام بتطبيقات علمَي اللسانيات والسيميائيات انطلاقًا من رسائل ماجستير أشرف عليها وبحوث أنجزها في سياق لغة الإشارات والترجمة. شغل خطة خبير لغويّ بمعجم الدوحة التاريخي للّغة العربية ابتداء من عام 2014. صدر له كتاب أصول التفكير الدلالي عند العرب (2017). حصل على جائزة الألكسو - الشارقة للسانيات لعام 2018 (المرتبة الأولى). يعمل الآن أستاذًا للسانيات بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها