الأربعاء 2019/12/18

آخر تحديث: 13:52 (بيروت)

"1975-2019" للينا أبيض: اختبار أول لمقولة انتهاء الحرب

الأربعاء 2019/12/18
"1975-2019" للينا أبيض: اختبار أول لمقولة انتهاء الحرب
لا يبدو الوصل بين الحرب والتظاهرات موفقاً دائماً
increase حجم الخط decrease
تتخذ مسرحية لينا أبيض الجديدة "1975 – 2019" التي عرضت في "مسرح المدينة"، من غاليري للفن الحديث، فضاء لها. في الغاليري تجهيز فني عبارة عن تلال صغيرة من الرمال موزعة على مساحة من الصالة، إضافة إلى آلتي تسجيل موضوعتين على طاولتين منفصلتين، على كل واحدة ملاحظة: "شاركونا ذكرى عشتموها خلال الحرب الاهلية".

يعتمد العمل على رواية "مدرسة الحرب" لإسكندر نجار، وهي ثالث رواية تحولها لينا أبيض إلى مسرحية بعد The Unexpected وMr Bchara. تدور الحبكة حول القصص والذكريات التي يرويها الزوار لآلة التسجيل والتي تتقاطع في مواقف وأحداث عديدة. كل واحدة من الشخصيات تنقل زاوية ووجهة نظر عن الحرب، بينما تشكل جميع القصص "سردية الحرب الكبرى" التي يتقاسمها اللبنانيون اليوم (تشير أبيض إلى هذه السردية في مواضع مختلفة، إن كان من خلال ذكر قصة شبيهة بقصة بوسطة عين الرمانة، أو من خلال التذكير بأهم خطوط التماس والحواجز التي كانت موجودة في بيروت). 

البداية من شخصية المقاتل السابق الذي يعتبر الأكثر انخراطاً في الحرب بين الزوار. يسرد الرجل لآلة التسجيل الجرائم التي ارتكبها، غالباً بطريقة هستيرية ومفرطة في تعبيريتها، كأنه قد شهد تلك الجرائم منذ وقت قليل ولا تفصله عنها اي مسافة.

طبعاً جميع الشخصيات اختبرت تروما من نوع معين، لكن تبقى حالة المقاتل الأكثر تطرفاً وتكثيفاً، خصوصاً مع الرغبة في الإنتقام التي لا تزال متأججة عنده. يقول مثلاً في أحد المقاطع إنه "سيكرر كل شيء فعله في حال تكررت الظروف". تستند تبريراته الى مظلومية متمحورة حول فكرة أنه قاتل بالنيابة عن الآخرين، وضحى بنفسه من أجل حمايتهم، بينما كانوا يعيشون حياتهم "بطريقة طبيعية".

الشخصيات الأخرى هي وفق النص التعريفي بالمسرحية: "شاب يعيش قصة حب في مقتبل العمر، سائق مستعد لفعل أي شيء يجني له لقمة العيش، قناص جبان، معلمة مفعمة بالحنين، وأم تصارع للمحافظة على ما تبقى مما يشبه الحياة العادية".

مع ان الشخصيات هذه لم تشارك في القتال، إلا أنها اختبرت المعارك بطرق معينة، إما من فضاءاتها الخاصة المهددة بالقصف في أي لحظة، أو خلال تنقلها من مكان لآخر ومرورها على حواجز الميليشيات. اختبرت الشخصيات، الحرب أيضاً، من خلال الخوف على نفسها وعلى الأشخاص الذين تحبهم، كما هو حال الشاب المثلي الذي كان دائم الخوف على أمه عند مغادرتها المنزل، أو الأم التي كذبت على ابنها وقالت إن أصوات الانفجارات ليست سوى مفرقعات إحتفالية.


لا تزال آثار الحرب ترافق الشخصيات اليوم بأشكال مختلف، مادية، معنوية، ونفسية. تحمل فتاة رصاصة في جسدها تخلق لها مشاكل عند مرورها في آلة كشف المعادن، بينما آخر يحمل مشاهد في رأسه غير قادر على نسيانها (شخصيات عديدة رأت مشهد تنكيل بجثة قناص ما شكل تروما موحدة عندها). هناك من يمتلك ذاكرة صوتية تحفزها أصوات المفرقعات وأبواق السيارات، وآخر لا يزال يحمل الحرب من خلال احتفاظه بأغراض أحد المفقودين التي تركها كما هي على سريره "ريثما يعود".

"هناك من عاشوا الحرب الأهلية وأولئك الذين لم يعيشوها. لكن ما اكتشفناه مع اكتمال هذا العام، هو أن الحرب لا تزال حية فينا. كل منا يحمل في داخله أثراً خفياً قد لا تمكن رؤيته لكنه أثر عميق لا يمحى" (من النص التعريفي بالمسرحية).

تقصدت لينا أبيض أن يؤدي الأدوار، ممثلون شباب، من الفئة العمرية نفسها للمشاركين في التظاهرات اليوم، بلا أي محاولة لتمويه الفارق العمري بينهم وبين الشخصيات التي يمثلونها. أعطى هذا معنى مختلفاً للروايات التي تخرج على ألسنة هؤلاء، في اختبار لشرعية مقولة إنتهاء الحرب التي شاعت بكثرة منذ بداية الإنتفاضة والتي يحيل إليها عنوان المسرحية "1975 – 2019".

في مواضع عديدة، تحدثت الشخصيات عن التظاهرات، وربطت بين مواقع خطوط التماس السابقة وأمكنة التظاهر الحالية. حتى أن واحداً من الشخصيات، يصبح، خلال وقوفه أمام آلة التسجيل، شبيهاً بالمتظاهرين الذين يتحدثون عادة أمام الكاميرات في التظاهرات، بسبب أسلوبه الخطابي وتكلمه عن الأزمات الموجودة عند السلطة.

لكن لا يبدو الوصل بين الحرب والتظاهرات موفقاً دائماً في المسرحية، خصوصاً أنه يجعلها مشتتة بين زمنين، واحد قديم جرى منذ عقود وتمتلك الشخصيات مسافة كبيرة ممه، وحدث جديد لا يزال يحدث ولم يجر الزمن عليه لتأخذ الشخصيات العبِرة منه. بالإضافة إلى أن مقولة إنتهاء الحرب لا زالت هشّة أمام ما يحصل في الشارع، الذاهب إلى التوتر أكثر فأكثر اليوم، من دون أن ننسى أن المصالحة التي جرت في الشارع خلال التظاهرات، رغم أهميتها، لكنها قد افتقدت إلى "العمق الشيعي" واقتصرت على طوائف المسيحية والسنية والدرزية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها