newsأسرار المدن

جيريمي كلابان يجد جسداً في شريط فقدانه

روجيه عوطةالثلاثاء 2019/12/17
image_big_b93b9f4d8b140ef2b858d31963116d28.jpg
أنشودة تقرظ عصيان الموت
حجم الخط
مشاركة عبر
يتمكن جيريمي كلابان من تعليق عين المتفرج على فيلمه التحريكي "فقدت جسدي" (يُعرض حالياً في باريس)، بحيث أنه يقدمه له على صفة واحدة، وهي التماسك. إذ يستقر هذا الشريط على ربط بين جميع جُمله: السردية، والبصرية، والموسيقية. فلا تطول اي جملة منها او تقصر، كما لا تطغى جملة منها على غيرها، بل إنها تتوازن لتضمن تتابع المشاهد، وإنتاجها لنص محكم.

وليست إحالة الفيلم هنا إلى التركيب، أو بالأحرى الى التحريك الجملي، من باب تشبيهي، إنما تتصل بجانب أساسي منه، وهو كونه يقوم بالتحويل السينمائي لرواية "happy hand" للكاتب غيوم لوران. بالتالي، الفيلم، وفي أساسه، معد للقراءة، قبل أن ينقله المخرج الى الشاشة، وعليها، يصيب في اختصار مصدره، أو استخلاص الحكاية المحورية منه، وإبدائها من دون أن يشوبها خلل أو نقصان.

تدور هذه الحكاية، أو الجملة السردية للفيلم، بين زمنين. في الأول، وهو الحاضر، ثمة يد مبتورة، تنتقل من مكان إلى آخر في باريس، وفي الثاني، وهو الماضي، هناك صاحب اليد، الذي يدعى نوفل، الذي ينتقل من طفولته في تونس إلى نشوئه وبدء شبابه في فرنسا. العلاقة بين زمنين ليست عويصة: كلما تنقلت اليد في الحاضر، تكشف ماضي نوفل، أو ترتبه. وعلى هذا النحو، يتداخل مساران في الفيلم، أي مسار مغامرة اليد، التي تخط مسار عيش صاحبها، من عمله إلى وقوعه في حب غابريال. وعلى النحو نفسه، يحمل التداخل ذلك على التساؤل طوال الفيلم حول وجهة اليد. فإلى أين تذهب هذه اليد؟
في الواقع، لم يجب الفيلم عن هذا الاستفهام مباشرة، إنما استطاع ان يجعله ملحاً، ويؤجل الوصول إلى حله. وهذا، ما أدى إلى اتسامه بجوّ ملغز، تشويقي، سجلته بعض المشاهد، اي الصور المتحركة، من جملته البصرية، بالتركز على قتامتها. لكن، في بعض اللحظات، كان الجواب متوقعاً، ومع هذا، حين حضر، بدا أنه ليس كذلك، بدا مباغتاً: اليد تمضي الى الجسد، إلى جسد نوفل، الذي يستلقي على السرير، متذكراً اياها. بالتالي، من الممكن إعادة تشكيل الجملة السردية للفيلم بهذا الشكل: نوفل يستعيد وقائع عيشه، التي حضرت فيها يده، وهذا، في إثر انفصالها عن جسده. ومن هنا، لا يتغير الاستفهام اياه إلى "كيف بُترت يده؟"، وهو قد بترها خلال حادث عمل، بل إلى "ما معنى يده هذه؟" أو "ماذا تجسد له؟".


إنها فعلياً عضو القدرة، وفي الوقت نفسه، عضو الذنْب. فها هو يتذكر كيف أنه، وبيده، حاول امساك الضوء من خلف النافذة، وكيف صمم بيتاً من خشب. الا أنه يتذكر أيضاً كيف انه حين أخرج يده نفسها من نافذة من نوافذ سيارة اسرته، أدى ذلك إلى موت والديه. في النتيجة، وعندما انفصلت عن جسده، بدا، وعلى سريره، أنه يتأرجح بين أمرين: من ناحية، أنه فقد قدرته، ومن ناحية أخرى، أنه تخلص من ذنبه، أو دفع ثمن غلطته. وربما، لا مبالغة في القول أن الجملة السردية للفيلم تستمد سحرها من هذا التأرجح، الذي، وحين انتهى، خلصت إلى خاتمة جذلة. فقد عاد نوفل إلى الحياة من دون ذنب، أما قدرته، فمع أنه خسر عضوها، غير أنه ربح جسده، الذي صار جسدها.

لا مبالغة في القول إن فيلم جيريمي كلابان بمثابة أنشودة تقرظ عصيان الموت، وعصيان شعوره، اي الذنب. لكن ما يثبته على هذه الحال هو جملته الموسيقية، التي ألفها دان ليفي، والتي تمكن فيها من توظيف التكنو بطريقة دقيقة. إذ إنها، وحين تصل الى مقطع سردي وبصري تراجيدي، تستنتج دوماً الحي منه، وتطلقه. كما لو أن هذه الجملة هي التي كانت تعين، ومنذ بداية الفيلم، على التفتيش عن الجسد المفقود، وهذا، إلى أن وجدته، من دون يد، لا بأس، لكن بأذنين. 

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث