رحيل آنا كارينا التي عشقها غودار.. وكاميرات "الموجة الجديدة"

وكانت الفتاة الدنماركية في السابعة عشرة من عمرها، حين وصلت إلى باريس، قادمة من عائلة فقيرة، وكانت تُعرف حينها بآن كارين باير. وسرعان ما دخلت عالم الموضة بعدما لفتت نظر موظفة في إحدى وكالات الإعلانات.



وقد شاركت الممثلة صاحبة العينين الزرقاوين المائلتين إلى الرمادي، في سبعة أفلام من إخراج جان لوك غودار الذي كان شريك حياتها في الستينات وكانت ملهمته، والأفلام هي: "الجندي الصغير 1960، المرأة هي المرأة 1961، حياتي التي ينبغي أن أحياها 1962، فرقة الغرباء 1964، Alphaville 1965، بيير المجنون 1965، صنع في الولايات المتحدة 1966"، وهذا الأفلام بقيت مثل أيقونات... في البداية، رغب غودار في أن تقوم آنا كارينا ببطولة فيلمه الأول "منقطع الأنفاس"، الذي يعتبر من أشهر أعماله، إلا أنها رفضت لأن الدور يتضمن مشاهد عارية. وبعد أشهر، عرض عليها غودار دوراً آخر، وكان ذلك بداية لتعاونهما المثمر، والخطوة الأولى في مسيرة صنعت موقع كارينا..

وكتب الناقد السينمائي البريطاني غراهام فولر: "ليس في وسع أكثر المخرجين عقلانية وصرامة، مقاومة النشوة والذهول عندما تستدير كاميراته نحو المرأة التي يّحب. هكذا كانت هي مشاعر غودار حين كان يصور حبيبته وزوجته آنّا كارينا. واليوم حين يفكر المرء في أفلام جان لوك غودار، يتشكل وجه أنّا كارينا على الفور أمام ناظريه، فحضورها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأفلامه. ومثلما يقول ديفيد تومسون، في كتابه "المعجم البيوغرافي للفيلم"، أن عمل غودار مع آنّا كارينا هو ذروة عمله الفني التي استطاع أن يحرز من خلالها وميض المشاعر الذي ظل ينير بقية أفلامه". يضيف فولر: "شاهدتُ كارينا وهي تؤدي رقصتها وتدور حول طاولة البليارد في فيلم "حياتي التي ينبغي أن أحياها"، أو رقصها غير المكترث مع كلود براسير وسامي فراي في فيلم "فرقة الغرباء"، وهو يشي بممثلة موسيقية بالفطرة، فضلاً عن قدرتها على ضخ الفيلم بحزن مثير منفصل كما في فيلم (Alphaville) أو بميسمها الزئبقي الخاص كما في فيلم "بيير المجنون"...

وتابعت كارينا مسيرتها السينمائية بعد انفصالها عن غودار، وعملت مع مخرجين مثل جاك ريفيت، ولوتشينو فيسكونتي، وتوني ريتشاردسون، أغنيس فاردا، جورج كيوكر، أندريه دالفوكس، رينر فاسبندر، راؤل رويز وسواهم. وعملت كارينا مع مخرجين كبار آخرين، كما لعبت أدوار البطولة في عدد من الأفلام الناطقة بالإنكليزية في أواخر الستينات وأوائل الثمانينات. ولعبت بطولة أفلام لعدد من أشهر مخرجي ما يعرف بالموجة الجديدة في السينما الفرنسية والذين تأثروا بسينما الواقعية الجديدة الإيطالية وتمردوا على القوالب المعهودة... 

إضافة إلى موهبتها كممثلة، تمتلك كارينا اهتماماً بالكتابة أيضاً، فقد أنجزت أربع روايات هي على التوالي: "العيش معاً" 1973 الذي حولته فيلماً قامت بإخراجه وبطولته عن علاقة حب بين أستاذ تاريخ وفتاة شابة، تنتهي بالعنف وإدمان المخدرات. ثم "مدينة ذهبية" 1983، "أنت لا تشتري الشمس" 1988 و"فرصة في وقت متأخر" 1988.

كما أنها أصدرت في العام 2000 ألبوماً لأغانيها رخيمة النغمات بعنوان "تأريخ الحب". وقد قام جوناثان ديمي في العام 2002 باستخدام أغنيتها في فيلمه المميز "حقيقة تشارلي" الذي هو بمثابة تحية للموجة الجديدة في السينما الفرنسية.