السبت 2019/12/14

آخر تحديث: 11:33 (بيروت)

حين يصير الإحباط قدراً

السبت 2019/12/14
حين يصير الإحباط قدراً
فالاحباط هو احباط الكلام عن الحدث، وليس احباط الحدث نفسه
increase حجم الخط decrease
ربما لا تكون دقيقة الإشارة إلى أن مفردة الإحباط دخلت الحديث السياسي جرّاء تلك العبارة التي قالها الشهيد سمير قصير، معنوناً بها مقالة له في العام 2005: "ليس الإحباط قدراً". لكن يمكن الحسم في كون تلك المفردة قد ذاعت في الحديث اياه من جراء عبارة قصير، فها هي اليوم، وما أن تظهر فيه، حتى تحيل إليها مباشرةً، أو تستدعيها، أو حتى تبدو مقتطعة منها.

بالتالي، شاعت المفردة في الحديث السياسي من حديث إعلامي، بحيث أن قصير عرف، وببراعة، كيف يمررهما في بعضهما البعض، مغلباً الأول على الثاني: السياسة تتكلم في الإعلام، لتصنع حديثاً سياسوميديوياً. وهذا، قبل أن يعلق الحديثان في بعضهما البعض لاحقاً، ويتغلب الثاني على الأول: الإعلام يتكلم في السياسة، فينتج حديثاً ميديوسياسياً متفجراً تلفزيونياً. بالطبع، مفردة الإحباط حضرت في المرحلة السياسوميديوية ثم انتقلت الى الأخرى، الميديوسياسية. لكن ما يهم هنا أن حضورها مرتبط بتداخل السياسي والاعلامي.

كل هذا، يصح أو يسعى إلى ان يكون مجرد مقدمة لتسييق، صناعة سياق، ظهور مفردة الاحباط، وانتشارها. وهذا السياق، يستوي مع الوقوف على استخدام الاحباط راهناً. إذ غالباً ما تُستعمل مفردته لإثبات الآتي: لم يحمل المضي إلى مشروع ما سوى إلى اخفاقه، لم يحمل الرمي إلى هذا المشروع سوى إلى الحيلولة دونه. وفي الخلاصة، ينم الاحباط عن اخفاق المضي الى المقصد أو إبطال الرمي اليه. لكن ما يميز الاحباط، ويعرِّفه، أنه يتعلق بكون علته جوانية وليست برانية: لم يخفق الذهاب إلى المشروع بسبب التصدي له، إنما بسبب علة في الذهاب، الذي سرعان ما ينقلها إلى المشروع ذاته. بالتالي، الاحباط هو احباط يتعلق بطريقة المضي والرمي، التي، بدورها، تحدد المقصد.

في حال سحب هذا التعريف، أو ما يشبه التعريف، على حديث يدور حول الثورة في لبنان قبل أن ينتهي إلى الإحباط، من الممكن القول إن الإحباط لا يتعلق بها، بما هي واقعة، إنما بطريقة تناولها. فالإحباط هو إحباط الكلام عن الحدث، وليس إحباط الحدث نفسه. لكن، كيف يغدو الحديث، أي الكلام عن الحدث، مكمناً للإحباط؟

بكل بساطة، يقوم هذا الحديث بطريقته في تناول موضوعه، في إبداء الثورة، فلأنه ميديوسياسي، وليس سياسوميديوي، لا ينطلق منها، إنما ينقلها، وبهذا، يصورها، أو بالأحرى، يمشهدها، يوقفها على مشهديتها. بالتأكيد، التعامل مع الحدث كمشهدٍ، لا يستند إليه، إنما إلى ابتلاعه، يحمل، وباستمرار، إلى فصله عن وقعه، وبالتالي، تعطيله، ليصير كناية عن مجريات.

فليس صدفة أن الحديث الميديوسياسي يتكشف، وفي لحظات كثيرة، عن كونه إخبارياً، عن كونه نشرة إخبارية. وعلى هذا النحو، أُخذ الحديث المديوسياسي للثورة كمشهد مرفوع عليها، وليس مبنياً منها، يؤدي إلى الاحباط: احباط من كون مقاربته لها مخفقة، واحباط في كونه، كل مرة يحاول التطرق إليها، يبدو مجرداً منها، أو بالأحرى تنعتق منه. وبهذا، إما، يحاول الحديث أن يفرط في مشهدتها، أو أنه ينتقل إلى ما يشبه العدائية ضدها، وفي الحالتين، يريد إيقافها. الاحباط هو الذي ينقله من الإفراط إلى العدائية، أو على الأقل يؤرجحه بينهما.

على أساس ذلك الحديث الميديوسياسي، يصير الاحباط قدراً، ويستقر على معناه، يتممه، مثلما قدمه عظيم من عظماء القرن العشرين: عقب الحديث السيئ، عقب الحديث الممشهد، عقب الحديث المخادع. وأول من يصاب به هو طبعاً مزاوله، وهذا، من جهة تصوره عن نفسه، من جهة أناه، التي، وحين تصل اليه، تبدو انها تحققت بالكامل، قبل أن تعود وتنطلق في حديثها اياه. فهذه الأنا هي أيضا قوام الاحباط، كما أنها قوام تعطيل كل حدث. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها