الجمعة 2019/11/29

آخر تحديث: 13:43 (بيروت)

الطبقة الوسطى للنظام: إحمِني.. وإلا أكَلتكَ البروليتاريا

الجمعة 2019/11/29
الطبقة الوسطى للنظام: إحمِني.. وإلا أكَلتكَ البروليتاريا
لا تكفّ الطبقة الوسطى عن ترداد تهديدها بالانحسار (غيتي)
increase حجم الخط decrease
اعتادت الطبقة الوسطى في لبنان على ترداد عبارة بعينها "انا مهددة بالانحسار"، بحيث تقدم ذاتها كما لو أنها دوماً في وشك زوالها. على أن هذه العادة، هي عادة راسخة، فحتّى، مع وقوع ثورة 17 تشرين، بدا أن هذه الطبقة لا تستطيع أن تقلع عنها، وهذا، فعلياً، ما جعل موقعها في تلك الثورة إشكالياً.


فربما، أول ما يخطر في البال حين الوقوف على تلك العبارة، هو التساؤل عن الطرف الذي توجهها الطبقة إليه: على أي مسمع تردد أنها مهددة بالإنحسار؟ الجواب واضح طبعاً، إذ إنها تتحدث مع النظام، مع طبقته، التي ترتفع فوقها، بحيث تخبرها بقرب انحسارها، لكي تنتبه إليها، ولكي تعمد إلى صيانتها، أي، وبمعنى آخر، تضمن مصالحها. بالتالي، هي تهددها بانحسارها، الذي، وفي حسبانها، إن حصل، سيؤدي إلى غياب ذلك الوضع الذي لا تتوقف عن المطالبة به، والذي يؤلف بغيتها الأساس، أي الاستقرار. فالطبقة الوسطى تقول للنظام انها مهددة بالانحسار، اي أنه مهددة بغياب الاستقرار، وفي النتيجة، لا بد له من المضي الى الحفاظ عليها.

لكن، وعلى عكس ما يعتقد أصحاب منطق النظام، غياب الاستقرار هنا لا يفيد بالفوضى، إنما بأمر آخر، مختلف تماماً، وهو صعود البروليتاريا، صعودها بمعنى بيانها كما هي في الفضاء العام. فالطبقة الوسطى، ومثلما هو معلوم، تخفي الطبقات تحتها، اي الطبقات الأكثر "بَرتَلة"، بحيث أن من يريد أن يحضر منها في ذلك الفضاء، لا مناص له من الظهور على شاكلتها، التي لا تتعلق بطريقة أزيائية فحسب، بل، وأيضاً، بطريقة تفكير، فهي، وباختصار، شاكلة عيش.

من هنا، حين تهدد الطبقة الوسطى نظامها بالانحسار، تقول لطبقته إنها، وفي حال لم تقم بحمايتها، ستفلت البروليتاريا من شاكلتها، ولن تعود خاضعةً لما يشبه الفلتر بالنسبة إليها. وبالتالي، ستحضر في الفضاء اياه، ستجتاحه على ما هي عليه، وهذا، لكي تسترد كل المسلوب منها. على هذا النحو، الطبقة الوسطى تهدد النظام بالبروليتاريا، تبتزه بها مقابل ضمانه لها، فتهديدها له بانحسارها يعني انها توحي له بانسحابها من أمام البروليتاريا، وتركها لها في مواجهته. وهذا، في الواقع، ما لا تقدر على فعله البتة، لأنها، ولكي تحقق معناها، لزم أن تكون في موقعها، في الوسط، بين الاثنين، ففي حال لم تكن فيه، فهذا يشير إلى كونها انكسرت، وبدورها، تبلترت.

لا تقلع الطبقة الوسطى عن عادتها التهديدية حيال النظام في الثورة، بحيث أنها، وحين تلتحق بها، فلتبتزّه بها، بكونها بروليتارية، وفي الوقت نفسه، لكي تطمئنه إلى كونها تحاول معيرتها. بطريقة أخرى، تقول له: "هذه ثورة البروليتاريا التي تهددك، وها انا انتقل إليها لمعيرتها من أجلك، لكنني قد انحسر، وعندها، ستودي بك". وفي النتيجة، ولكي يحافظ على نفسه أو على بقاياه بالأحرى، ما عليه إلا أن يحمي هذه الطبقة الوسطى، ويمتّنها، بحيث يعود عبرها، مبتغياً القبض على الثورة، أو إيقافها، من خلالها.

فبالتحاقها بالثورة، تعمد الطبقة الوسطى إلى معيرتها آدابياً ومطلبياً، وبهذا تكون طيف النظام فيها، وهذا النظام، كلما توجه الى هذه الطبقة، وفي خاطره تمتينها، تتحول من طيفه إلى جسمه. إلا أن هذه الطبقة، وبعيداً من صلتها بالنظام، لا تبغي للبروليتاريا أن تصعد، أن تحضر كما هي في الفضاء العام، وهذا لأنها عندها تفقد سحرها، ولا يعود لها أي وطأة. فمعلوم أن جان لوجكين قد أشار إلى أن الطبقة الوسطى مصنوعة لهؤلاء الذين، وحين يأخذون بشاكلتها، لا يدرون أنهم بروليتاريا، اي انها مصنوعة لإطاحة وعيهم، لبرتَلتِهم. ولهذا، حين تقع ثورتهم خارجها، تلتحق بهم، لكي لا تبدأ بالتشقق، ولكي تتجنب تكشفها عن كونها، وفي إثر الحدث، بلا جدوى مرتبطة بخوضه، بل مرتبطة بإيقافه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها