الإثنين 2019/11/25

آخر تحديث: 13:57 (بيروت)

ثورة المتضررين.. وثورة المتعرضين

الإثنين 2019/11/25
ثورة المتضررين.. وثورة المتعرضين
اغلاق طريق جسر الرينغ ليلاً (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ثمة مقولة متداولة على إثر الثورة في لبنان، وهي "التضرر من النظام"، وكأي مقولة، لا يمكن النظر فيها سوى بحسب استخدامها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وعند الإشارة إلى دور البرجوازية بتمثيلاتها "المجتمعومدنية" في الثورة اياها، سرعان ما يرد على هذه الاشارة، وبعد الإشتباه بكونها "اقصائية" طبعاً، عبر تلك المقولة. إذ أن هذه البرجوازية "متضررة من النظام"، ولذلك، "الثورة ثورتها أيضاً"، بالتالي، "التضرر" هو الظرف، الذي دفعها إلى الالتحاق بها.

على هذا النحو، تصير الثورة، ثورة "المتضررين من النظام"، وهذا، في الواقع، ليس دقيقاً، بحيث أنه لا يطاول الغالب من خائضيها، أي الذين لا "يضرهم" النظام، بل يتعرض لهم. بعبارة أخرى، الضرر ينم عن خلل في استواء العلاقة معه، وهذا الخلل لا يمكن تعيينه بواحد دون غيره، لكنه، وفي كل الأحوال، يفيد بفرط النظام، أو بنقصه. أما التعرض، فلا ينم عن خلل في استواء العلاقة مع النظام، إنما عن فرضها منه، بحيث أنه واياها يصيران الخلل في العيش. من هنا، الاعتقاد بأن الثورة "ثورة المتضررين من النظام" هو بمثابة اختزال لها، بحيث أنها ليست كذلك سوى من ناحية ان ثمة متضررين إلتحقوا بها، لكن، قبل ذلك، وبالتوازي معه، هي ثورة المتعرضين للنظام.

فعلياً، هناك إختلاف بين ثورة المتضررين، وثورة المتعرضين. الاولى، بغيتها الأساس إطاحة تضررها، بكون العلاقة مع النظام مسكونة بالخلل، ومن أجل ذلك، تكون ثورتها هي ثورة في هذه العلاقة لتعيدها إلى توازنها، كما أنها ثورة على هذا الخلل لإزالته. من هنا، ولأنها على هذا النحو، تتوزع على طرفي العلاقة، بحيث أن المتضررين يثورون النظام لكي يعدلها، أو بالأحرى لكي يسويها معهم. ثورة المتضررين ترمي الى إحداث صدمة لدى النظام لكي يشترك معهم في تقويم علاقته واياهم من الخلل، وفي النتيجة، لكي تكون ثورته أيضاً. فهذه الثورة تريده، وتريد منه أن يخوضها. نظام يثور؟ يعني أنه يبقى حياً بعد موته، يعني انه يبقى كما هو، يعني أنه لا يثور، أنه يمنع اي ثورة.

على أن ثورة المتعرضين ليست ثورة في العلاقة مع النظام، ولا ثورة على خللها، لكنها، ثورة عليه، وعلى العلاقة التي يفرضها. بعبارة أخرى، المتعرضون للنظام هم المعترضون على اعتقاله لهم، فيثورون للخروج منه، ومن أي علاقة معه. وبالتالي، لا يريدون لثورتهم هذه أن تنتقل إليه، أن تكون ثورته، بل يريدون منها أن تُسقطه عنهم، وتجعله مجرد ماضي، يقع خلفهم، ولا يتسلل إليهم.

ببساطة، ثورة المتضررين هي ثورة إبقاء على النظام، وبقاء فيه. أما ثورة المتعرضين للنظام، فهي ثورة إسقاطه عنهم ربطاً بمغادرته. وفي هذا السياق، من الممكن القول إن الثورتين، حتى لو تقاطعا في لحظة ما، لا يتطابقان، ففي حين أن المتضرر يثور ليحافظ على الانتظام وعلاقته، يثور المتعرض لكي يضع حداً له ولها. تناقض؟ ثورة المحافظة لا تتناقض مع ثورة الاسقاط فحسب، بل قد تتحول إلى فرصة للنظام، فرصة إنقاذه، لكي "يثور على نفسه"، اي لكي يتجدد. فيعيد تركيز علاقته مع الساكنين فيه لكي يظلوا ساكنين داخله، ولكي لا تعي أكثريتهم أنه مفروض عليهم، أنهم يتعرضون له، أي، وبعبارة أخرى، يبلترهم، يحولهم إلى بروليتاريا، وبالتالي، يثورون عليه.

من المبكر القول إن النظام الساقط في لبنان، وحتى الآن، قد اختار ثورة المتضررين لكي ينقذ نفسه. لكنه، في الواقع، وحين لن يجد أي مصرف من الثورة، حين لن يجد أي مصرف لاستئناف ما قبلها، سيُقدم على ذلك. لكن المشكلة أنه انبجر، انفجر من الداخل، أنه منهار، وبالتالي، ثورة التضرر، ثورة المحافظة عليه، وبخوضه لها، تودي به إلى التجمع بحطامه، إلى لَحمه. وبالتالي، لن تكون علاقته مع الذين سيسكنون فيه سوى نقل لذلك الحطام لهم، لن تكون سوى تحطيم لهم. فالمتضرر الذي يريد الآن ثورة في علاقته مع النظام، الذي يريد تثوير هذا النظام، سيجعله نظاماً للتحطيم، ولا داعي للقول أن استقواءه وتعسفه سيكونان أكثر بياناً مما كانا من قبل. فثورة المتضررين تريد النظام قوياً وقائماً بحطامه وفي تحطيمه، أن يستهلكه وينتجه، ان "يستحطم" ويحطم. وهذا، على عكس ثورة المتعرضين، الذين يريدون الانتهاء من حطامه بعدما تحرروا منه، ونفضوه عنهم. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها