الجمعة 2019/11/15

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

محمد خضير... "يقظة" سرجون الأكدي(*)

الجمعة 2019/11/15
محمد خضير... "يقظة" سرجون الأكدي(*)
سرجون
increase حجم الخط decrease
يقدم الفنان علي طالب، برهانه الشعائري، على يقظة الضمير المدفون تحت طبقات الشعور بأسلوب الأيقونة السومرية، بتحريف حاد للون والشكل والمنظور التشكيلي. وهو أسلوب يتلاءم وطريقة الفنان في عرض الرؤوس البشرية تحت مؤثرات خاصة وخلفيات كبيرة، في أغلب لوحاته. الا أن الرأس في هذا الملصق، المصنوع بتقنية الحاسوب، يقحمنا في وقائع ما زالت محتدمة وقابلة للتأويل المستمر باستجابات متعددة، واشتعالات متكررة.

سبق أن طوّر فنانو "البوب" الأوروبيون (أندي وارهول مثلاً) هذا الأسلوب على أيقونات عصرهم (مارلين مونرو أشهرهم) بتنويعات لونية متناغمة مع مساحة اعلانية صالحة للعرض في فضاءات المترو النفقية، ونجحوا الى حد بعيد في مزج الرمز السينمائي والرياضي والموسيقي بنبوءات مأساوية ومفاهيم ثورية (مفاهيم أنبياء المجتمع الرأسمالي في ستينيات القرن الماضي). صارت تلك الرسوم، أيقونات عصر تكنولوجي نقل الرسم من مجاله التقليدي الى فضاءات أنموذجية تتسم بالتفكيك والنقض المفهومي، ومقدمات لخرق القواعد والنسب الثابتة وأساليب العرض الاعتيادية.



كانت تلك الرسوم تأطيراً موحياً للوجه المغمور في حياته اليومية، وفضائه الاستهلاكي، واشهاراً لجمال مضاعف بألوان صارخة. وفي لوحة علي طالب، إطلاق للوجه الذي طال حبسه في متحف الأزمنة الراكدة، وإشهاره علامة دالة على زمن الأنفاق ورسومها الجدرانية المكشوفة. يطالعنا الوجه الحاد بتحديقته المركزة وتقاطيعه الحادة احتجاجاً على تأبيده التاريخي في صورة متحفية باردة. ينتفض التاريخ بتفاصيله الكثيرة من خلال "يقظة" سرجون الأكدي خلف قناعه البرونزي واستعداده للانتقال لعصر الشارع الدخاني الساخط. إن اتساع العينين واحتقانهما بالدم، وعصب الجبهة بشريط أخضر، وارسال اللحية المتموجة، والخوذة أيضاً، لهيَ بحد ذاتها ملامح شخص ساخط على وضع أنموذجي يتصف بالخلل العميق في بنية التاريخ المتحفي الكلاسيكية. وبعبارة أخرى: خلف الجهامة المقنعة ما يشي بالرفض الأيقوني لوضعية ثابتة كمسمار في عجلة امبراطورية حربية مهشمة. إنه استبدال جوهري محفِّز للقرائن المتحفية والرمزية، كي تتحول إلى وسائط اشهارية تشترك في إحياء "طقوس الخريف" المباحة في مسرح الشارع الدخاني.

مرة أخرى، ينجح علي طالب (مع فناني البوستر الستينيين) في تسجيل شهادة حية على سيرة الفن العراقي المغترب حتى تخوم البلدان الباردة، البعيدة من اليقظة الدورية لوعي ظل مقيداً لشرطه التاريخي المتقلب في جحيم (بارد هو الآخر) لا يني عن النهوض مع صياح ديك الرياح في أعلى بناية ببغداد، فيتفقد الفرن الخامد، ويرتدي قناعه الواقي من الغاز. مرة أخرى تصل رسالة بليغة، هي من بلاغة الغيب، بعنوان معلوم.

(*) مدونة كتبها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها