الثلاثاء 2019/11/12

آخر تحديث: 15:04 (بيروت)

نوري الجراح لـ"المدن": طروادة الثورة السورية لم تسقط

الثلاثاء 2019/11/12
نوري الجراح لـ"المدن": طروادة الثورة السورية لم تسقط
نوري الجراح
increase حجم الخط decrease
صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط - إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر السوري نوري الجرّاح، بعنوان: "لا حرب في طروادة"، حيثُ لم تعد القصيدة عند نوري الجرّاح، حسب كلمة الناشر، تكتفي باستحضار ذلك المناخ السحري للحارات الدمشقية ومنعطفاتها الضيّقة والظّليلة على تخوم بوابة "معبد جوبيتير" و"المِسْكيّة" وقوس "باب الشمس" شرقي المدينة، أو طفولة حيّ المهاجرين الشاهقة التي تنحدر إلى العالم كلّه، جالبةً كلمات الشاعر من قصاصاته في الأرض الواسعة وحسب، بل هي الآن، وبإطلالتها هذه، من فضاء المنفى الجماعي المُتعاظم، توقظ المسوخ التي تقاطرت على الخيال السوري، مُحوِّلة الواقعَ الكابوسي إلى واقعٍ آخر؛ تراجيديا غنائية لا نهاية لها.


"لا حرب في طروادة". لكنها حربٌ في دمشق. تتردد أصواتها وأصداؤها في جنبات نشيد متوسطي، وصفها الشاعر في عنوان فرعي بـ"كلمات هوميروس الأخيرة"، وترى صورها المأسوية خارجة من إرث ميثولوجي يرسل عبر صوت الشاعر الحديث أصواتاً وأطيافاً عابرة للأزمنة لتتلاقى مع وقائع يومية تأبى أن تضع أوزارها إلا في نسيج المستقبل.

يقول الجراح لـ"المدن" بخصوص اصدار ديوانه الجديد ومضمونه: "انظر ما يجري في لبنان والعراق الآن، لكأن الروح المشتعلة بنداء الحرية هي روح متصلة، وها هي الوقائع قول أنه لا يمكن بحال اخماد هذه الجذوة العظيمة التي حمل السوريون شعلتها بأيد تحترق. السوريون هم طرواديو العصر، وإذ كان حصار طروادة قد استمر عشر سنوات، ومقاومتها استمرت عشر سنوات، نعم، فها هو التاريخ يعيد نفسه، بفواجعه وآلامه وبطولاته أيضاً. طروادة الثورة السورية لم تسقط، والآن يتبين ان أبواب الثورة السورية تحطمت على المدافعين، وقد أرسلت إلى قلاعها عشرات الأحصنة، لكن الروح الطروادية تنتشر اليوم في الجوار، وتلهم الشوارع. لقد سمعت صوت منشد الثورة السورية يتردد في شوارع بيروت، وطريقته الإنشادية نفسها تتردد بأصوات بنات وشبان يافعين في بيروت وطرابلس وصيدا، صرخة الحرية التي ترددت في 2011 في مدن الشام الشهيدة، واقتلعت حناجرها بالسكاكين، ها هي تتردد مجدداً بشغف وجمال عظيمين، وها هم الطرواديون يعمرون حيثما حلوا قلاعاً مجازية للحرية، وبينما هم يبدون كما لو أنهم في تيه بحري لا نهاية له، ضاربين في أربع جهات الارض، إذا بمدن الشام الآخرى طرابلس بيروت صيدا صور تنهض لتواصل الصرخة". يضيف الجراح: "أتحدث عن الصرخة، وأؤجل الكلام على الشعر، فالكلام على الشعر يحتاج إلى هدوء كبير، وأنا في صخب كبير، فليكن كلامنا إذن عن الصرخة، صرخة الحرية التي تصدح في شوارع اليوم، من بيروت إلى بغداد، ومن بغداد إلى الجزائر، لا يمكن لموجات الظلام أن تدحر النور، فلقد خرجت الصرخة من الكهف، ولا يمكن للصرخة التي أفلتت من الأسر أن تعود عليه حتى حطاماً. بعد أزهار السودان.. ها هي الموجة الثانية من أزهار الربيع العربي تتفتح في شوارع المشرق والمغرب. التاريخ تصنعه الأرواح اليافعة. والشباب هم معلقة العرب الكبرى وقصيدته الأجمل".


يضمُّ الكتابُ 54 قصيدة موزعة على 11 فصلاً، في 176 صفحة من القطع الوسط، وجاءت عناوين الفصولُ كالتالي: الملْهاةُ الدّمَشْقيَّة (لسان الجحيم)، سَمَكَةُ آخِيلْ (أنشوُداتْ)، كَلِمَاتُ هُومِيرُوسْ الْأَخيرَةْ، الطَّالِعُ بِالْعَجَلَةِ وَمَعَهُ الْإكْلِيلْ، الْقِيثَارَةُ والرِّيحْ، كِتَابُ آيَة، هَوَاءُ تِيْنُوسْ (أَرْبَعُ حِكَايَاتٍ لِلْمُرَاهِقِينْ)، طَيَرَانٌ فِي بُورْتُوبِيلْلُو، آلَامُ نَرْسِيسْ، يَأْسُ أُوْدِيسْيُوسْ، ما بَعْدَ القَصِيدَةِ.

من الكتاب:
كَلِمَاتُ هُومِيرُوسْ الْأَخِيرَةْ
I
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا بَحْرَ وَلَا مَرَاكِبَ وَلَا سَلَالِمَ عَلَى الْأَسْوَارْ،
لَا حِصَانَ خَشَبِيَّاً، وَلَا جُنُودَاً يَخْتَبِئُون فِي خَشَبِ الْحُصَانْ.
سَأَعْتَذِرُ لَكُم يَا أَبْطَالِيَ الصَّرْعَى:
"آخِيلْ" بِكَعْبِهِ الْمُجَنَّحِ؛
"هِكْتُورْ" بِصَدْرِهِ الطُّرْوَادِيِّ الْعَرِيضْ؛
وَأَنْتَ يَا "أَغَامِمْنُونْ" بِلِحْيَتِكَ الْبَيضَاء
وَسَيْفِكَ الْمُسَلَّطِ عَلَى رِقاب الْبًحَّارَةِ الهَارِبِينَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ.
II
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا دَمَ وَلَا دُمُوعَ،
لَا أَقْوَاسَ نَصْرٍ وَلَا أَطْوَاقَ غَارٍ فِي الرُّؤوسْ.
لَا جُرُوحَ فِي جَثَامِينِ الْرِّجَالِ،
لَا قَتْلَى وَلَا قبور،
لَا آسَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلَا بَاكِيَاتٍ فِي شُرُفَاتِ الْبُكَاءْ.
III
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.
المُرَاهِقُ لَمْ يَقْطِفْ تُفَّاحَةً لِامْرَأَةٍ فِي شُرْفَةٍ،
وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِيْنَة زَوْجٌ اسْمُهُ "مِينَلَاوسْ"
"هِيِلنْ"، وَحْدَهَا، كَانَتْ تَتَشَمَّسُ فِي حَدِيقَةِ "هُومِيرُوسْ".
وَلِأَجْلِ وِشَاحِهَا الْقُرْمُزِيِّ وَخَدِّهَا الْأَسِيلِ،
أَسْلَمَ خَيَالَهُ لِلرِّيْحِ،
وَأَصَابِعَهُ لِلْأَوْتَارْ.
IV
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا مَرَاكِبَ عَلَى السَّوَاحِلِ، وَلَا جُنُودَ فِي الْمَرَاكِبْ.
الْقَمَرُ يَلْهُو فِي الْحُقُولِ،
والشَّجَرَةُ تُؤْنِسُ الْحِصَانْ.
لَا حَرْبَ
فِي
طُرْوَادَة
الْمُنْشِدُ أَسْلَمَ قِيْثَارَتَهُ لِلرِّيْحِ،
وَآسْتَرَدَّ أَصَابِعَهُ مِنَ الْأَوْتَارْ.
عُوْدُوا إِلَى بُيُوتِكِمْ،
عَانِقُوا الزَّوْجَاتِ الصَّغِيْرَاتِ، وَقَبِّلُوا الْأَطْفَالَ،
وَتَلَهُّوا بِخَمْرةِ الْعِيدْ.
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.

نوري الجرّاح:
شاعر من سوريا، ولد في دمشق 1956 ويعيش في لندن منذ 1986. صدرت مجموعاته الشعرية بدءا من 1982: "الصبي"، "مجاراة الصوت"، "كأس سوداء"، "القصيدة، والقصيدة في المرآة"، "طفولة موت"، "صعود إبريل"، "حدائق هاملت"، "طريق دمشق"، "الحديقة الفارسية"، "يوم قابيل"، "يأس نوح"، "مرثيات أربع"، "قارب إلى لِسبوس". صدرت أعماله الشعرية في مجلدين، بيروت 2008.
صدرت مختارات من شعره بعناية نقاد وأدباء عرب: "أمير نائم وحملة تنتظر"-علي بدر، بيروت 2005، "رسائل أوديسيوس"، القاهرة خلدون الشمعة، 2008، "ابتسامة النائم"، محسن خالد، الجزائر 2010. صدرت مؤلفات نقدية في شعره: "النزوع الدرامي في (الايام السبعة للوقت)" أيمن باي، تونس، 2017، "القصيدة المعلقة –دراسة أسلوبية في شعر نوري الجراح"، مفيد نجم، برلين، 2018، "ما الذي يحدث في حدائق هاملت" عبد القادر الجموسي، القنيطرة-المغرب 2019. 

تُرجمت مختارات من أشعاره إلى لغات أجنبية منها: الفرنسية، الإسبانية، الإنكليزية، الألمانية، الهولندية، التركية، اليونانية، الفارسية، الإيطالية.
حرّر مجلات شعرية وأدبية: "فكر"، "الناقد"، "الكاتبة"، "القصيدة"، "الرحلة"، "دمشق"، ويرأس، حاليا، تحرير مجلة "الجديد" الشهرية الثقافة اللندنية. يشرف على "المركز العربي للأدب الجغرافي" و"جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" في لندن/أبوظبي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها