الإثنين 2019/11/11

آخر تحديث: 12:05 (بيروت)

يوم رفع الطالب الفتحاوي العلم اللبناني وهتف: عاصفة عاصفة!

الإثنين 2019/11/11
increase حجم الخط decrease
مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر، شكّل الطلاب اللبنانيون صفّاً فولاذياً في صفوف معارضي الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة، واحتلوا واجهة الساحة الإعلامية. ربط البعض بين هذه التجربة المعاصرة، وتجربة الحركة الطالبية التي ظهرت في السنوات الأخيرة من الستينات وبلغت ذروتها في النصف الأوّل من السبعينات، غير أن المقارنة بين التجربتين تشهد على اختلاف جذري في التوجهات والمطالب. 
 
في مطلع نيسان/ابريل 1971، نشر "ملحق النهار" تحقيقاً حول لقاءين أجراهما غسان التويني مع الجمهور في مدينة صيدا. جرى اللقاء في مدرسة "راهبات مار يوسف الظهور"، وتبعه لقاء ثان في نادي خريجي "جمعية المقاصد"، وتطرّق الحديث فيهما حول مواضيع متعدّدة منها الحراك الطالبي في لبنان. تساءل الحضور: هل التحرك الطالبي في لبنان هو نتيجة لوعي الشباب لمشاكله، أم هو تقليد؟ هل مبدأ المشاركة في المدارس يضعف الانضباط؟ هل الحوار بين الحكومة والطلاب هو حوار طرشان؟ هل يستغل اليمين واليسار الحركة الطالبية؟ هل يستطيع الطلاب أن يحملوا الحكومة على تنفيذ مطالبهم؟ وهل يؤدي ضغط الطلاب في النهاية إلى الثورة الطالبية الشاملة والنزول إلى الشارع مع العمال كما حصل في فرنسا؟

في ردّه على هذه التساؤلات، رأى التويني أن للتحرّك الطلابي في لبنان، وجوه ثلاثة. فهو في المقام الأول، جزء من تحرك طلابي عالمي. وهو في المقام الثاني نابع "من شعور طلابي بضيق صدر من البرامج والمدارس والمعلمين، ومما ينتظر الطالب بعد التخرج من متاعب للحصول على عمل بسبب التخطيط التربوي المفقود". وهو في المقام الثالث تحرك سياسي، ناتج عن تحسس الطالب "أكثر من سائر المواطنين بالمأساة السياسية التي يعيشها لبنان والعالم العربي الذي لا يمكن للبنان أن ينفصل عنه وعن مشاكله". وأضاف التويني: "كل هذه التحركات طبيعية وصحية ويفترض بكل حاكم ومسؤول أن يواجهها مواجهة التفهّم والتفاهم، لا مواجهة الازدراء والكبت والمزايدة لأن ذلك لا يمكن أن يحل مشكلة الطلاب. حتى المسايرة لا يمكنها حل المشكلة. والمطلوب هو إقامة حوار ومشاركة وتفاهم. مع العلم أنه من الطبيعي أن يكون الشباب غير الجيل الذي سبقه، إذ لو كانت الأجيال مثل بعضها البعض لتحجّر لبنان ووقف التاريخ".

في واقع الحال، ظهر هذا التحرّك الطلابي اللبناني بعد هزيمة 1967، واتخذ سريعاً طابعاً صِدامياً، ولم يكن موحّداً بأي شكل من الأشكال. في 7 تشرين الثاني 1969، رصدت مجلة "الحوادث" معركة بالعصي داخل الجامعة الأميركية في بيروت، بين مسيرة طلابية يمينية ضمت راشد حمادة، ابن السياسي المخضرم صبري حمادة، وأخرى يسارية ضمت غسان أشقر، نجل القيادي في الحزب القومي السوري أسد أشقر. بدأت هذه المعركة حين قرر طلاب اليسار في اتحاد الطلبة الذي يرأسه عضو في تنظيم فتح، يُدعى فؤاد بوارشي، تعليق الدروس في كلية العلوم والعلوم، فردَّ طلاب اليمين التابعين لهذا الاتحاد بالتجمع للزحف على كلية الآداب والعلوم واقتحام بابها المسدود بالمقاعد. كان عميد الكلية روبير نجيم يميني الميول، وحاول أن يثني طلاب اليسار عن قرارهم، ولم يفلح في ذلك، فهاجمت مسيرة اليمين الكلية وهي تحمل الأعلام اللبنانية، وكان همها أن تمزّق صور غيفارا المعلقة على مدخل هذه الكلية، فاشتبك الطرفان، وتطايرت الكراسي والعصي، وسقط عدد من الجرحى، بينهم راشد صبري حمادة. في هذه المعركة، رفع أحد الطلاب التابعين لحركة "فتح"، العلم اللبناني، في الشرفة وهو يهتف: عاصفة، عاصفة. وقال راشد حمادة أنه لم يكن يستهدف العمل الفدائي، غير أنه ضد الأفكار المستوردة، وهو لا يحبّذ "اللون الأحمر في اليسار، لا سيما اللون المقنّع بالبعث السوري".

في الأسبوع التالي، تحت عنوان "اليسار في قلعة اليمين"، نظّمت مجلّة "الحوادث" في الجامعة اليسوعية ندوة طلابية ضمت أربعة طلاب من هذه الجامعة هم سمير فرنجية، آن موراني، زياد فليفل، وغسان الخازن. وقدّمت لهذه الندوة بقولها: "من الجامعة اليسوعية تخرّج أكثر أهل النظام، وصار أسلوبهم في الحكم ومعالجة المشاكل يُعرف بالأسلوب الجزويتي. فيها تخرّج ميشال شيحا، أستاذ مجموعة كبرى من المفكرين، وفيها تخرّج الرئيس الراحل الشيخ بشارة الخوري وولداه خليل وميشال. وفيها تخرّج الرئيس شارل حلو، ومدير عام غرفته الدكتور بطرس ديب". في مستهل هذه الندوة، رأى سمير فرنجية أن الجامعة اليسوعية "من بقايا الانتداب، هدفها الأساسي تخريج كادرات النظام القائم"، وطلابها من ضمن هذا الإطار "هم من أبناء البرجوازية الكبيرة والمتوسطة الانعزالية، وهم يرثون من هذا الوسط فكر الطبقية، صاحبة المطلب الأساسي في الحفاظ على الوضع القائم. ومستوى اليمين في اليسوعية لا يتخطّى مستوى الشخص العادي في جبل لبنان". وقد برز اليسار في هذه الجامعة نتيجة لتطور فكري تمكن من "كسر الانعزالية والانفتاح على المجتمع اللبناني والعربي".

بدورها، قالت آن موراني أن الآتين من مدارس البعثات الأجنبية المسيحية "يتميزون بفهم مبتور للقضايا الأساسية في المجتمع، وتبرز امكاناتهم النظرية والفكرية عندما يلتقون مع اليسار ويشعرون بضعفهم النظري". في المقابل، رأى غسان الخازن ان دور اليسار يكمن "في استخراج الطاقات التي تملك نظرة سياسية تربط الطائفية بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي كان وسيلة في يد الطبقة الحاكمة لإبدال الصراع بين الفقير والغني إلى صراع بين مسلم ومسيحي، أو عربي وانعزالي، ودور اليسار هو أن يهزم هذه الصفة وأن يظهر ان ليس هناك من مبرر لانعزالية لبنان عن الركب العربي". ورأى زياد فليفل ان الحركة الطلابية عليها تربط بين نضالها والنضال الشعبي، "ومساهمة اليسار ضمن الجامعة اليسوعية في اللجان الشعبية يحقق النقطة الأولى، وهي كسر طوق الانعزالية والطائفية".

في 5 كانون الأول/ديسمبر، تحت عنوان "اليمين على أرض اليسار"، أجرت "الحوادث" في الجامعة اللبنانية، ندوة معاكسة، ضمت أربعة طلاب من كلية الحقوق والعلوم هم فايز إبراهيم، فادي حوراني، ناصيف يمين، وجميل الحاج. رفض هؤلاء الطلاب، مقولة غسان التويني التي تقول بأن "كل طالب هو يساري لأنه طالب تغيير"، وقال فادي حوراني أن اليمين هو "الذي ينطلق من واقع كي يحسّنه"، من دون أن يسعى إلى تغيير النظام السياسي. فردّ ناصيف يمين: "نحن مع التغيير وليس يسارية التغيير، ولا بد من الخلاص أولاً من العاهات الاجتماعية الموجودة في الشعب، ومن ثم تزول الزعامات منه تلقائياً"، وهذه العاهات تكمن في "ما تركه الحكم العثماني مدة خمسة قرون، بالإضافة إلى ذيول الانتداب والاستعمار التي لا تزال داخل المجتمع اللبناني خاصة والعربي عامة". في المقابل، رأى فايز إبراهيم، ان اليمين هو "عبارة عن حركة وعي وانفتاح ترمي إلى التعاون من جميع نواحيه بأسلوب هادئ ومرن، من دون اللجوء إلى الحركات الثورية"، ورأى جميل الحاج أن "للبنان وضعه الخاص الذي يرفض الثورة، ويطلب صحّة التطبيق في النظام وعدم استيراد ايديولوجيات غريبة".

من جهة أخرى، ناصر طلاب ندوة "اليسار في قلعة اليمين"، العمل الفدائي، بشكل مطلق، واتهموا اليمين باتخاذ موقف عدائي من وجود هذا العمل في لبنان. وردّ طلاب ندوة "اليمين على أرض اليسار" بالتأكيد على سيادة لبنان، وحذّروا من حرية العمل الفدائي المطلقة التي من شأنها أن تزعزع الكيان اللبناني وتمس بكرامته وسيادته واستقلاله". ويشهد هذا السجال للدور الكبير الذي احتلته قضية العمل الفدائي الفلسطيني في تلك الحقبة من تاريخ لبنان.

في الخلاصة، تنتمي هذ الحركة الطلابية بوجوهها المتعارضة، إلى زمنها، ويصعب القول انها تماثل الحركة التي يشهدها لبنان اليوم. ولعلّ أبلغ ما قيل في هذا الصدد، مدونة كتبها حسام عيتاني باللغة المحكية في صفحته الفايسبوكية: "تمنّي بخصوص الانتفاضة على كل من عمرهم فوق الخمسين (يعني شخصي الكريم اول واحد). خلينا واقفين على جنب ونتعلم. آراؤنا تعبر عن تجاربنا الفاشلة واحباطاتنا وأوهامنا. ومساهمتنا مش لازم تزيد عن الاستشارة والدعم. الشباب عملوا هالثورة وهي إنتاجهم. إذا انتصرت هم اهلها واصحابها".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها