الخميس 2019/10/31

آخر تحديث: 20:04 (بيروت)

شباب الثورة.. وشباب "كلّن"

الخميس 2019/10/31
شباب الثورة.. وشباب "كلّن"
مواجهات وفتح طريق جسر فؤاد شهاب من قبل القوى الأمنية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
هي ثورة شباب، لا شك في ذلك. انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، قوامها جيل على أبواب العشرينات وصولاً إلى الثلاثينات من العمر. أسلوبها، خطابها، وسائطها الإعلامية والاجتماعية، همومها للحاضر والمستقبل، موسيقاها، تصاميمها الغرافيكية، شعاراتها، وحتى نكاتها. ثورة على عُصبة حُكم، وتقاليد سياسية واجتماعية وثقافية مهلهلة، وزعامات تكبُر هؤلاء بثلاثين عاماً وربما خمسين. أجيال أكبر سناً تلتحق بشباب لبنان المنتفض. بعضها يحاول ركوب موجتها، طمعاً في مقعد قيادي، أو علاجاً لإحباطات فشل متتالٍ، لكنها ليست صانعتها. 

هؤلاء الثوار يراكمون الخبرات، منذ الشرارة الأولى للربيع العربي العام 2011، مروراً بالتجربة المتواضعة والقصيرة لـ"إسقاط النظام الطائفي"، ثم "طلعت ريحتكن" خلال أزمة النفايات العام 2015، وقبل هذا كله محكّ 8 و14 آذار 2005 ونتائجهما. لعلها الخيبات والصدمات التي أفرزت أسئلة وإشكاليات، يحاول جيل الثورة الآن التعامل معها والتصدي لها. ولعلها أيضاً آمال المُمكن بوَحي من انتفاضتي السودان والجزائر الأخيرتين، وغيرهما.

لكن ثمة شباباً آخرين. فمنفّذو الهجمات المتتالية على ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وساحات تظاهر لبنانية أخرى، هم من الجيل نفسه، إنما بأجندة وشعارات مناقضة، بل متماهية مع الطغمة المُستهدفة بالثورة، وظهّروا صورتها الأوضح. بعض خطاب الانتفاضة يَستعدِيهم، لا يراهم رفاق الجيل وهمومه، بل انعكاسات وجوه "كلن يعني كلن" في مرآة يافعة. والبعض الآخر يرفع شعار استيعابهم، على قاعدة أن هؤلاء ليسوا فقط شباباً مثلهم، بل هم أيضاً موضوع الثورة، هم المسحوقون المهمشون الذين "يستغلهم" الزعيم، وبالتالي فإن مكانهم الطبيعي ضمن الثورة التي يفترض بها أن تخاطبهم وتحاول استقطابهم لتحريرهم. ولا ننسى أن في صفوف قوى الأمن والجيش شباباً أيضاً. وإذا كان كل من المنطقَين لا يخلو من وجاهة، إلا أن الأول يواجه معضلة الإقصاء، وحرمان نفسه من التوسع والمزيد من الخرق للحصون الطائفية والمناطقية. والثاني، يصوّر أولئك "الشبيحة" وكأنهم مسلوبو الإرادة والخيار والقرار، وهذا ما يجافي الدقة. كما أنه، وفي لحظة تعاطفه معهم ومحاولته احتضانهم، يهينهم ويحيلهم أطفالاً بحاجة إلى راعٍ: الثورة الراعية بدلاً من الزعيم الراعي. والنتيجة أن "صراع الأجيال" لا يبدو منظاراً كافياً للمشهد الحالي، إلا في ناحية واحدة، وهي أن الشباب، أينما اصطفوا الآن، سيكونون حتماً ورثة مفاعيل الثورة هذه، بإنجازاتها وإخفاقاتها. لكن مستقبلاً مُستشرَفاً لا يسعه أن يكون معنى الحاضر.

لعلها، إذاً، مسألة زمن. الزُّمرة الحاكمة اليوم، بصرف النظر عن المروحة الجيلية لوجوهها، تنتمي إلى عقد التسعينات من القرن العشرين، إلى صيغة "الطائف" وما بعد الحرب الأهلية، أياً كانت التعديلات التي طرأت عليها، وعُمقها، والتحالفات التي أُنجزت أو فُكَّت مذذاك. لكن الواقع أن عُمر الأخطبوط يناهز 30 عاماً، وربما أكثر، إذا ما احتسبنا أمراء الحرب ومجسّاتهم. وهي، بهذا المعنى، طاعنة في السن، بالمقياس الطبيعي لتداول السلطة ومساءلتها ومحاسبتها في أي دولة ديموقراطية تتمتع بأبسط مقومات الحياة السياسية المعافاة، أي بمقياس إماتتها وإعادة إحيائها كل أربعة أعوام أو ستة. أما ثورة 2019، فزمنُها فتِيٌّ، ابن يومه وحقبته وأفكارهما وأدواتهما.

ثورة قتل الأب؟ الأرجح.. وإن بدا الأب، هذه المرة، متبدل الهوية، مُتلوّنها، من داخل البطريركية الحاكمة. "بيّ الكل" ميشال عون، ليس وحده، رغم استئثاره باللقب و"الكاستنغ" للدور، بل لعله بات "الجَدّ" المتقادم الذي يتحلق الورثة حول سريره. حسن نصرالله؟ نعم قوية. نبيه بري ووليد جنبلاط؟ إلى حد كبير. وسعد الحريري ابن شهيد... ومعهم الصف الثاني والثالث من الشبكة المهيمنة. لكن هناك أيضاً الأب المؤسسة: الحزب، الطائفة، العشيرة، النظام السياسي والزبائني، شبكة خدمات الولاء الموازية، الدستور المحنّط، والقوانين المولودة أفعوانية أو ميتة، المُحرَّمات، من قضايا الجندر إلى الشتيمة هتافاً، والمقدّسات حيث العمامة تعصم زعيماً سياسياً وعسكرياً، ومظلوميات تُنسَج أساطير لتكريس قائد. أما الثورة، فلا قائد لها، ولهذا ستبقى شابة، حتى تنتصر.. أو يئدها أب خائف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها