الإثنين 2019/10/21

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

سقط النظام في لبنان

الإثنين 2019/10/21
سقط النظام في لبنان
اعتصام وسط التجاري في بيروت(مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
النظام في لبنان سقط، تهاوى، انفجر من داخله، انبجر. فهؤلاء زعماءه، زعماء حروبه، أو لنسميهم، ومن أجل الدقة، الزعماء السابقون، ممثلو الطبقة الميسورة والمستثمرة في خرابنا على اختلافه، يحاولون نكران ذلك، وهذا، عبر أمر بعينه، وهو أمر متوقع طبعاً: منع الثوار من رؤية ذلك السقوط، لأنهم، وعندما يفعلون هذا، تكون إطاحتهم قد تمت. الرؤية هنا ليست مجرد إطلالة على النظام الساقط، أو وقوف عليه، إنما هو تحرر منه، من قبيل انهيار سجن، وخروج المعتقلين من زنزاناته.

الثوار كانوا معتقلين، وكل الرقص في الشوارع، كل الفكاهة، كل التلاقي، ليس سوى احتفال بالحرية، ولأنه، كذلك، فهو يشير إلى انهم كانوا يرغبون فيها. فلم يكن هناك بين الثوار، وقبل أن يصيروا ثواراً، مَن يشعر بتلك الحرية حين كان محكوماً بذلك النظام، أو بالأحرى مؤدباً به، بل كان ناقصة منه، لكن، أعطي سبلاً لسد نقصها، وفي مقدمتها، سبيل الخوف.

هذا السبيل، وكطرق مدننا وقرانا، يُقطع، إذ قطعه انهيار النظام، وعندها، سلك المعتقلون وجهتهم إلى الحرية منه. لم يعد هناك خوف؟ مبالغة، لا، فعلياً، تراجع، وانتهى، المد الشعبي، حيويته، تعدد تعبيره، إشارة إلى ذلك. أما السُّباب فهو بالطبع اعتماد لغة فورية لدحر الزعماء السابقين، لغة فورية لا يستحقون غيرها. لكن، وأيضاً، لأن نظامهم سقط، ما عدنا في حاجة إلى حديث طويل معهم، إنما القول لهم إن: سجنكم تقوض، "خذوا!".

لكن زعماء الانهيار لا يريدون ذلك، لا يريدون أن يرى الثوار حطام النظام، أن ينفضوه عنهم، أن يتفلتوا من تكبيله لهم، ولذلك، يعتمدون ترهيبهم، محاولين ردهم إلى سجنهم. الترهيب له أشكال كثيرة، من التسويف بمهلة سعد الحريري، الذي يتكشف تهديداً، كما في خطاب حسن نصرالله، إلى الدعاية البروباغندية، الكاريكاتورية، مثلما يعتمد اعلام العهد، عهد جبران باسيل، ثم العنف المباشر، كما ارتكب شبيحة رئيس البرلمان في الجمهورية السابقة نبيه بري. وهذا طبعاً، قبل أن يتصدى لهم الثوار بكل شجاعة وشكيمة، وفي أثناء التصدي، يقع شهداء في صفوفهم. فقد غدا لثورتنا شهداء، من العاملين السوريين، الذين اختنقوا، أو لنقل خنقهم رب عملهم.. إلى حسين العطار، الذي كان مرمياً للرصاص على طريق المطار. إذ كانوا شاهدين على الانهيار، الذي لم يحتمل زعماؤه إثباته، ولهذا، أردوهم شهداء. معادلة أصحاب السجن المتداعي: إن لم تعودوا اليه، فلا تؤكدوا أننا صرنا باطلين بالكامل، سنرجعكم اليه بالقوة. لكنهم، لا يدركون أنه، وعلى نحوهم، أضحى من الماضي.

لبنان السابق انتهى، وقوفه الدائم على شفير الهاوية انتهى، التصور عنه أنه مجرد بلد احتراب هوياتي انتهى، تقديمه كبلاد خاضعة انتهى، جعله مثالاً للتكبر على غيره للتخفيف من عجزه انتهى. كل تمثيل لبنان على هذا المنوال وأكثر انتهى، مزقه الثوار، وها هم يصنعون ملامحه الجديدة: بالاصرار على التواصل في ما بينهم، بالتواصل مع اغيارهم في ميادين أخرى، كمصر وسوريا، بالكلام، بابتداعاته، باسترداد الفضاءات العامة، أو بالأحرى بانتاجها، باسترجاع المسلوب منهم، أكان المباني أو المحلات.

وهم ما كانوا ليفعلوا ذلك لولا قدرتهم الثورية التي فلتت من قيدها، من قيد خفضها وكَبتها، ما كانوا ليفعلوا ذلك لولا هذا النور الذي شع منهم، نور البروليتاريين، الذين يأتون من مختلف الطبقات، ويشكلون طبقة "حفاري القبور"، اي قبور الطبقة المُستغلة والمُذلة، على قول ماركسي معلوم وعليم.

لقد سقط النظام، لا بد أن نردد ذلك في كل حين، ولا بد من الانطلاق من هذا للنظر في كل مسلك من مسالكه لتوقيف الثورة، لتوقيف رؤية انهياره، لتوقيف الحرية، والعيش بها، من بعده. فالثوار لا ينتظرون الآن إسقاط النظام، إنما، هم ينتظرون استسلام زعماء سجنه، اقرارهم بتداعيه على شكل استقالة الحكومة. وإن لم يقروا بذلك، لا يعني هذا أنهم رمموه، بل أنهم صاروا أكثر فأكثر زعماء عدمهم، وزعماء العدم مكانهم شهير: مزبلة التاريخ!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها