حجم الخط
مشاركة عبر
يعاني المواطن العراقي (الشاب خصوصاً) انسداد الأفق الانساني والروحي والجمالي أمام اختياراته الحقيقية. إنه يشعر في أعماقه شعوراً ناقصاً بالتفرد والتميز والخروج للعالم بكامل استعداده وقوته وتوقه الخيالي والعملي. لقد حدَّ نظامُ التعليم السيئ، وهيمنة البيروقراطية الحكومية، والأعراف الاجتماعية البالية، من "استعمال لذاته" استعمالاً بنيوياً وتربوياً راقياً. لم يُشبِع رغائبه الطبيعية والثقافية في الإشهار عن شخصيته الضائعة في فوضى الفرص وتزييف المجالات العملية والرمزية. لا أقول إنه محروم تماماً من الاختيار والتفاعل والاشباع الغريزي والروحي، بل لعله أشد المواطنين الإقليميين فاعلية في التعبير والاصطدام بالقوانين والنظم الاجتماعية والثقافية السائدة؛ لكنه تعبير يحاول التراتب والتصنيف في فاعليات معترف بجدواها واهميتها، مهما كانت درجة التفاعل والاعتراف المتبادل بين الذات المهمشة والسلطة المهيمنة على وجوده الضئيل. إنه بصراحة يرغب في استعمال اسمه، جسده، وجوده "الصغير" في "كومونات" تفاعلية، وتشكيلات شوارعية، وتمثيلات ثقافية مستقبلية. ويبدو أن هذه المطالب أقل ما يجب على "قلاع" الهيمنة والتحكم السلطوية توفيره على أساس الفهم الحقيقي للنسبة الهامشية لمواطن/ شاب، مهووس بالانبثاق للأعلى بكامل لياقته العاطفية والعقلية.
تصوروا متظاهراً عاري الصادر، وقارنوا طفحه الجسدي بروحانية غير كهنوتية. إنها حركة جسد فنّان يغزل في الهواء حوله غضباً، لا تدانيها الا انفتالات مغني الروك مايكل جاكسون وهو يؤدي أغنية انفرادية في حفل عام صاخب؛ سوى أن مواطننا (مثل فنان الجوع لكافكا) يشعر بوحدته التطهرية وانسلاخه عن اللحظة والشارع الذي يحتويه، بالقصور عن الارتفاع على أشكال المسرح التاريخية التي بزغت في وعيه المضطهد دفعة واحدة. كان هذا هو طموحه في تقمص دور جديد يسترد من خلاله صوراً ورموزاً لشهادة مستحيلة، سقوط جثة من حبل المشنقة، ارتطام مكتوم بجدران زنزانة. غير أننا لا نتمثل من حركاته أكثر من عرض فرجويّ أمام الكاميرات والفضائيات المتطفلة على حرية فنانٍ مشروطة باتفاقات انتهازية وأنماط حزبوية. إنها للأسف حركة طيران، يفرد فيها ذراعيه، لكنه لا يتزحزح عن مكانه في شارع، أو في أعلى جسر.
نعود لاستعراض هذه الحركات الشوارعية لجيل ما بعد 2003 عقب انتهاء جولة/ عرض كرنفالي مفرط في التعبير عن أوضاعه العنيفة التي انتهت بسفك دماء غزيرة، إبلاغا في تصوير قسوته التطهرية (ولن يسعفنا علماء الاجتماع والنفس في تحليل هذا العرض الدامي). إنه وضع لو قارناه بأوضاع عديدة خارج حدودنا ، لَما أخطأنا في تشخيص أسبابه بنقص الامتثال لرغبات مشروعة، فشل محاكاة حياة مفقودة تنحصر في تحقيق: لوحة أو أغنية أو لعبة كرة قدم بكامل شروطها الامتاعية التي تصل الى درجة عالية من الصخب والصراخ والإشهار، تقابلها رغبة قمعية برصاص لا يميز أحداً.
لنقل ما يتوجب علينا قوله، بحسب وعينا الفردي والتاريخي، السياسي والاجتماعي والنفسي، إلا أن الوضع العراقي الراهن لا يعدو ان يكون استعادة جمعية (على طرفي المسرح الدامي) لأدوار مغيبة في لا وعي سلطةٍ قمعية متوالية، وتمثيلاً (متبادلا بين الطرفين) لأوضاع تتردد في حناياها أصوات ضحايا معلومين ومجهولين، أطفال ونساء مقيدين، وحركات غامضة تتخبط في ظلمات تاريخ لم يبلغ الرشد، فلا نرى في أهونها أكثر من سقوط عمودي من أعلى الجسور. ويا لها من حركة بالغة التعبير حين تنقلب الى رغبة في الطيران، الطيران فوق اللحظة الراهنة المجنونة.
(*) مدونة كتبها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية
تصوروا متظاهراً عاري الصادر، وقارنوا طفحه الجسدي بروحانية غير كهنوتية. إنها حركة جسد فنّان يغزل في الهواء حوله غضباً، لا تدانيها الا انفتالات مغني الروك مايكل جاكسون وهو يؤدي أغنية انفرادية في حفل عام صاخب؛ سوى أن مواطننا (مثل فنان الجوع لكافكا) يشعر بوحدته التطهرية وانسلاخه عن اللحظة والشارع الذي يحتويه، بالقصور عن الارتفاع على أشكال المسرح التاريخية التي بزغت في وعيه المضطهد دفعة واحدة. كان هذا هو طموحه في تقمص دور جديد يسترد من خلاله صوراً ورموزاً لشهادة مستحيلة، سقوط جثة من حبل المشنقة، ارتطام مكتوم بجدران زنزانة. غير أننا لا نتمثل من حركاته أكثر من عرض فرجويّ أمام الكاميرات والفضائيات المتطفلة على حرية فنانٍ مشروطة باتفاقات انتهازية وأنماط حزبوية. إنها للأسف حركة طيران، يفرد فيها ذراعيه، لكنه لا يتزحزح عن مكانه في شارع، أو في أعلى جسر.
نعود لاستعراض هذه الحركات الشوارعية لجيل ما بعد 2003 عقب انتهاء جولة/ عرض كرنفالي مفرط في التعبير عن أوضاعه العنيفة التي انتهت بسفك دماء غزيرة، إبلاغا في تصوير قسوته التطهرية (ولن يسعفنا علماء الاجتماع والنفس في تحليل هذا العرض الدامي). إنه وضع لو قارناه بأوضاع عديدة خارج حدودنا ، لَما أخطأنا في تشخيص أسبابه بنقص الامتثال لرغبات مشروعة، فشل محاكاة حياة مفقودة تنحصر في تحقيق: لوحة أو أغنية أو لعبة كرة قدم بكامل شروطها الامتاعية التي تصل الى درجة عالية من الصخب والصراخ والإشهار، تقابلها رغبة قمعية برصاص لا يميز أحداً.
لنقل ما يتوجب علينا قوله، بحسب وعينا الفردي والتاريخي، السياسي والاجتماعي والنفسي، إلا أن الوضع العراقي الراهن لا يعدو ان يكون استعادة جمعية (على طرفي المسرح الدامي) لأدوار مغيبة في لا وعي سلطةٍ قمعية متوالية، وتمثيلاً (متبادلا بين الطرفين) لأوضاع تتردد في حناياها أصوات ضحايا معلومين ومجهولين، أطفال ونساء مقيدين، وحركات غامضة تتخبط في ظلمات تاريخ لم يبلغ الرشد، فلا نرى في أهونها أكثر من سقوط عمودي من أعلى الجسور. ويا لها من حركة بالغة التعبير حين تنقلب الى رغبة في الطيران، الطيران فوق اللحظة الراهنة المجنونة.
(*) مدونة كتبها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها