الأربعاء 2019/01/09

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

الفوتوغرافيا كسلاح.. مع الطبقة وضدها

الأربعاء 2019/01/09
الفوتوغرافيا كسلاح.. مع الطبقة وضدها
الرياضة - من أرشيف شارلوت بريان
increase حجم الخط decrease
في العام 1933، وفي العدد الأول من مجلة "الدفتر الأحمر" التي تصدرها "جمعية الكتاب والفنانين الثوريين" في فرنسا، نشر الكاتب والمصور والنحات هنري تراكول بيانا قال فيه، وباختصار، إن الفوتوغرافيا يجب أن تكون سلاح الطبقة العاملة ضد الطبقة البرجوازية التي تستغلها. اليوم، يعود المعرض الذي يجري تنظيمه في "سنتر بومبيدو" بباريس، وتحت عنوان "سلاح الطبقة"، إلى ما أنتجه هذا البيان من صور توزعت على مطبوعات يسارية كثيرة، لاسيما التي كانت تصدر عن الحزب الشيوعي. ولهذا، يجمع في فضائه عدداً من الأعمال التي تؤرخ لتحول الفوتوغرافيا إلى فن لمواجهة الاستغلال. فإثر هذه الأعمال وسياستها، تغير ذلك الفن وما عاد محصوراً في تمثيل نظرة واحدة، طاغية، إلى العالم، بل إنه التزم بموقع هؤلاء الذين يشيدون هذا العالم، وفي الوقت نفسه، يسكنون في جحيمه السفلي أو يجري طحنهم في هوامشه.

خاضت الفوتوغرافيا معركتها ضد الطبقة البرجوازية آنذاك على جبهتين. الأولى، معركة الابانة بحيث أن فنانيها أقدموا على تصوير ما تريد تلك الطبقة سَتره، أي العمال والفقراء والمشردين. وهذه الإبانة استوت على الريبورتاج، الذي ولد توثيقاً لما يعيشه هؤلاء ويعانونه، بحيث، وعندما يراهم غيرهم، ممن يشاركونهم الوضع نفسه، يحضهم ذلك على معركة الدفاع عنهم. أما الجبهة الثانية، فهي البروباغندا، التي تبدأ في الريبورتاج، لكنها تغادره لتنتج صورها، أو بالأحرى أيقوناتها، التي تظهر أن الحض على المعركة قد أدى إليها. فالغالب على هذه الأيقونات هو الجمع، في تظاهرة أو اعتصام يدلان على أن اجتماع المعرضين للاستغلال قد تم، ولا بد من المشاركة فيه.

في هذا الخوض، وضعت الفوتوغرافيا تجارب التشكيل الصوري جانباً، كما أنها اكتفت بمزاولة استطيقيا البارز على تعاسته أو بطولته. فلا داعي لأي صورة محورها الشكل أو مقلبها الجمالي. لكن، رغم ذلك، اتكأ فنانو هذا التصوير الملتزم على الفوتومونتاج من أجل المقارنة بين طبقتين أو من أجل إيضاح الاستغلال. كما أن التصوير، ومهما كان ربطه بالتوثيق مكتملاً، سيبقي على سحره الاستطيقي الذي سيتجلي في صوره دائماً. وهذا بالذات ما تبينه صور التقطها الفنانون في مواقف عديدة، أمثال ويلي روني وبول فايون-كوتورييه أو شارلوت بريان وبيار جاميه. 

تظهر أعمال فوتوغرافيا المعركة الطبقية التي دعت إليها الجمعية في بيان تراكول، كتصويرات صحافية بامتياز، بحيث أنها سرعان ما غدت مرافقة للمقالات، أو يجري زيادة هذه المقالات عليها. فهي، وفي بغيتها الأساس، صور ملتقطة للإعلام بالإضافة إلى الدعاية. فجمعية AEAR أطلقت هذا السبيل، الذي كان سلاحاً. لكنه سرعان ما صار رائجا بسبب القبض عليه واستخدامه من قبل وسائل الإعلام التي لا تتحدث بلسان المعرضين للاستغلال، لا تمثلهم سوى للتمثيل بهم من خلال فرض صورة بعينها عليهم، كانت بطولية وصارت "بؤسوية"، فضلاً عن حضهم على تأديتها لأنها بمثابة مرجعهم، بدلاً من التآزر لأجل إطاحتها وسلطتها.

فالصورة التي كانت الجمعية تطمح إليها، كانت تندرج في سياق البحث عما يبين ويدفع إلى الاجتماع. لكن هذه الصورة، ومع السيطرة عليها، وتكثيرها في مراحل لاحقة، صارت تبين لتعزل، وتبعد. بالإضافة إلى أن وجهتها قد تغيرت، فصارت تتوجه إلى الطبقة البرجوازية، بوصفها عين تتفرج، لكي تطمئنها على كونها في حال حسنة، ولكي تتيح لها أن تعيش السلبية الكتارسيسية، ولكي تخبرها أن المعرضين للاستغلال هم هكذا مسجونون في هذا النحو البصري، ولا يمكنهم تركه.

أراد معرض "سلاح الطبقة" أن يقدم حقبة من تاريخ الصورة الملتزمة، وقد فعل ذلك. فمن المجدي مشاهدة أعماله كمنطلق للبحث في تبدل مفهوم الالتزام، وابتذاله المتواصل ليصير سلاحاً باسم الطبقة عينها، وضدها على حد سواء. لقد كانت الصورة ثورية لأنها تمثل الطبقة لتنشطها. الآن، هذه الصورة، وبعد الإمساك بها، غدت تمثلها لتزيلها. تغيرت الطبقات وتغيرت الصور. 
 
الصور: المظاهرة النسائية - ويلي روني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها