السبت 2019/01/05

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

عودة الأسد إلى لبنان: تكليل الكوميديا بالخطورة

السبت 2019/01/05
عودة الأسد إلى لبنان: تكليل الكوميديا بالخطورة
الانسحاب السوري من لبنان في 2005
increase حجم الخط decrease
نظام بشار حافظ الأسد يعقد النية، إذن، على العودة بذاته إلى لبنان. وهذا الخبر أولياً، يستلزم من الذاكرة أن تعمل. فعلينا الآن أن نتذكر العام 2005، نتذكره للحظات ثم نمحوه، أو بالأحرى نختزله في ثلاثة أيام لحقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري. خلال هذه اللحظات، علينا أن نستعيد أسماء من قبيل عدنان عضوم وجان لوي قرداحي مثلاً، وعلينا أن نعود إلى قصة أحمد أبو عدس ونقتنع بها، ولماذا لا نخاف مما قاله اميل لحود بين شوطي سباحة عن "الرذيل" الذي يخطط لإحداث فتنة بين اللبنانيين. 

كل هذا علينا أن نبذل جهداً، ليس في استحضاره فحسب، بل في تغيير وقائعه، أو بالأحرى تزييفها، أيضاً. فنحن في مرحلة الإنكار بواسطة الذاكرة، الإنكار الذي تسبقه خيبة وتلحقه خيبة، وفي الأساس هو ولد للتكيف معهما. وهذه الخيبة لا تنم عن هزيمة ما كان يسمى 14 آذار، ولا هزيمة ما يسمى اللاممانعة، بل هزيمة الحرية، هزيمة محاولات الحرية في الشرق الأوسط لا أكثر ولا أقل. من بعدها، استئناف للقمع تعويضاً عن انقطاعه منذ سنوات، ومن بعدها، فرض لهذا القمع كأنه قدر لا يمكن تجنبه. هذا في كل حال، معنى من معاني العيش، بعد إبادة السوريين التي ارتكبها البعث على مرأى ومسمع العالم، عالمه.

علينا مع عودة الأسد إلى لبنان أن نتذكر ما جرى بعد انسحابه، نتذكر كل الأشياء لإنكارها، ولأنها كثيرة، قد نسلي أنفسنا بلعبة من ألعاب صف العلوم السياسية، أي الإجابة على استفهام "ماذا لو لم يحصل؟". فماذا لو لم يحصل انسحاب الأسد؟ وماذا لو أنه كان لا يزال مسيطراً على لبنان في أوقات الربيع العربي؟ وماذا لو لم يحدث هذا الربيع، بكل ثوراته، لا سيما السورية؟ وماذا لو أننا نمضي أيامنا الحالية تحت رقابة مقر البوريفاج؟

"مقر البوريفاج"! حتى كتابة هذه العبارة الميتة أمر موجع، وليس لأنها تشعر بالانتكاس فحسب، لكن، لأن تخيل اعادتها إلى الحياة ليس بعيد المنال. تماماً، كتخيل بيروت وقد احتلتها صور ويافطات وشعارات غليظة كانت قد تركتها قبل أكثر من عقد، وها هي ترتفع فيها بجلافة وقوة.

إلا أن لعبة "ماذا لو لم يحصل"، هي لعبة تبعث على نوع من الوجع، الذي، وإذا استمر بفعلها، سيحمل على الاستنتاج أن هذا المقال بنفسه ما كان له أي وجود، لو أننا لا نزال تحت حكم ضباط عنجر. بالتالي، لا بد من استبدالها بلعبة ماذا لو حصل، يعني تبديل وجهتها من الماضي إلى المستقبل، فماذا لو حصل وعاد جيش الأسد بحواجزه إلى لبنان؟ ماذا لو حصل وعادت وطأة مخابراته وسجونها؟ من سيطبّع معه؟

وربما، لا داعي لهذا الاستفهام الأخير. فالتطبيع مع نظام الإبادة، وان لم يغدو على الموضة الآن، هو أمر حاصل، أكان مباشرة أو مواربة. كثيرون من متعاطي السياسة، أو من الفن أيضاً، يعرفون ذلك ويشتركون فيه، متقاسمين العار والمجزرة.

مهما كان شكل رجوع نظام الأسد إلى لبنان، فهو قريب من كونه نهاية البلد، علماً أن هذا الرجوع يكلل لبنان الرسمي، يكلل كوميديته. انه تكليل الكوميديا بالخطورة، كأن هذه الكوميديا، ولأنها تحولت ومنذ وقت إلى عرض لا يصدق، عرض مبتذل، عرض سخيف، ها هي قد استحضرت العنف كله، الإبادة كلها، الجريمة كلها، لكي تستر مهزلتها. مع ذلك الرجوع، سيجري ستر الكوميديا لتصبح قاسية ومشينة، إذ سيحولها النظام إلى رجائه الخلفي. فنبأ رجوع نظام الأسد هو إشارة إلى أن إذلال الساكنين في لبنان قد أنجز. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها