السبت 2019/01/19

آخر تحديث: 13:06 (بيروت)

"بنات الشمس": الضحايا الأيزيديات.. مقاتلات بالسلاح والزغاريد

السبت 2019/01/19
increase حجم الخط decrease
في العام 2014، هاجم تنظيم داعش قرى سنجار في كردستان العراق. وفي ظل غياب أية مقاومة تذكر، ارتكب مجزرة بحق الرجال من الطائفة الأيزيدية، وأسر ما يقارب 7 آلاف امرأة وطفلة، كان مصيرهن الاحتجاز، الإغتصاب، البيع في سوق رغبات مقاتلي تنظيم داعش، وإلى الآن لم يحرر إلا النصف من هذا العدد، والنصف الآخر ما زال مجهول المصير. هذه الحادثة الواقعية كانت نقطة الانطلاق في سيناريو فيلم "بنات الشمس" للمخرجة الفرنسية إيفا أوسون. الذي شارك في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة في مهرجان كان السينمائي، وحاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان الفيلم السياسي في بورتور فيسينو – فرنسا 2018.


يبدأ الفيلم (115 د.)، مع وصول الصحافية الفرنسية ماتيلد إلى جبال سنجار لترافق النساء الأيزيديات اللواتي حملن السلاح في وجه تنظيم داعش، بعد تمكنهن من الفرار من الأسر، لتجد (باهار) الشخصية الرئيسية في الفيلم تتولى قيادة مجموعة نسائية مسلحة من أسيرات داعش السابقات.

الأحداث مروية من وجهة نظر الصحافية ماتيلد، التي نسمع صوتها كراوية فقط في المشهد الافتتاحي والنهائي للفيلم، ليدرك المتلقي أن الفيلم مرويّ من خلال كتاباتها وشهاداتها النصية والفوتوغرافية. أما الشخصية الأيزيدية باهار فنعرف قصتها من خلال تقنية الفلاش باك. قبل هجوم داعش على بلدات سنجار، كانت باهار محامية، متزوجة، ولها طفل. شهدت باهار، كما غيرها من النساء الأيزيديات، المجزرة التي ارتكبها تنظيم داعش بالرجال الايزيديين. شهدت قتل والدها، وأخيها، وزوجها أمام عينيها لحظة وقوع الهجوم، واحتجزت وقيدت إلى الإغتصاب مع أختها التي انتحرت إثر تعرضها للإعتداء الجنسي. التجربة القاسية التي عاشتها الفرق الأيزيدية موثقة في تقارير منظمات حقوق الإنسان، وفي روايات الشهود الخارجين من المجزرة، والشاهدات العائدات من حكم تنظيم داعش. فبالتالي، مستوى القسوة والمآسي التي يعرضها سيناريو الفيلم ليست مصطنعة، بل هو توثيق للتجربة القاسية لتلك الأحداث التي وصفت بأنها إبادة جماعية.


النائبة الأيزيدية في البرلمان العراقي، فيان دخيل، التي تحضر شخصيتها في الفيلم، كانت قد أطلقت في تلك الأحداث حملات مساعدة النساء والطفلات الأيزيديات الواقعات في أسر تنظيم داعش. كان المشروع أن يتم تهريب من يمكن تهريبه منهن، ودفع الأموال اللازمة لعناصر داعش كرشاوى. حين تُسأل النائبة في لقاء تلفزيوني إن اعتبرت أموال الفدية التي يحصل عليها داعش كتمويل للإرهاب، تجيب: "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام مصير فتيات ونساء يُغتصبن ويُبعن في سوق النساء. سنعمل ما يلزم لإنقاذهن"، وعبر شاشة التلفزيون ترسل النائبة دخيل رقم هاتفها الخاص إلى كل أسيرة تشاهد اللقاء. هكذا تتمكن باهار بطلة الفيلم من التواصل مع النائبة، لترتيب عملية تهريب مجموعة النساء الأسيرات معها، واللواتي بينهن طفلات وحوامل. بعد عملية تحريرهن بدفع الرشاوي لعناصر من تنظيم داعش، وعودة النساء إلى مناطقهن، يشرعن في حمل السلاح.

هنا ينفتح الفيلم على الموضوعة والسؤال في الوقت عينه، عن حمل السلاح. فعبر الإعلام، شهد العالم صورة المرأة الكردية المقاتلة تحمل السلاح. لا شك أن الصورة كانت صادمة لمجتمعات الشرق الأوسط حيث دور المرأة مهمش، وما زال الحوار يجري عن حقوقها، مواطنتها، والمساواة بينها وبين حقوق الذكر. لكن حتمية إرتباط العنف بالسلاح تفتح السؤال صعباً على المنظمات النسوية: "هل يتوجب الدفاع عن حقوق المرأة إلى حد حمل السلاح؟ "ماذا عن العنف المرتبط بالسلاح؟ الذي يحول الضحية إلى قاتل؟"، في إحدى مشاهد الفيلم تركز المخرجة على أغنية جماعية تؤديها المقاتلات: "نحن نساء غوردين في جعبتنا الرصاص والقذائف، لأجل الحرية نقاتل، نموت لكي يرضع أولاد أولادنا حليبنا الأحمر، لا بد أن حقبة جديدة قادمة: للمرأة، للحياة، للحرية La femme, la vie, la liberté.
 

تسأل ماتيلد، المقاتلة (باهار): "لماذا حملت السلاح؟"، "وأنت هل حملت السلاح قبلاً؟"، "كلا، أحمل الكاميرا، اعتدت على دوري كشاهدة، حمل السلاح لا يشبه ماضيّ. أريد أن أروي الحكايات التي أعيشها وأراها، لأضع الحقيقة في وجه الناس، ربما لن يكون هذا مفيداً، ولكنني مقتنعة به. وأنت؟ كنت محامية؟"، تجيب باهار: "في فيديو رأيت ابني بين أشبال الخلافة. هل تعرفين؟ هناك يدربون الفتيان على القتل والتفجير. أريد تحريره"، ربما يكون جواباً من بين الأكثر إقناعاً كي تحمل امرأة السلاح، إنه تحرير ابنها أو ابنتها من مصير المقاتل المنضوي بين عناصر تنظيم إرهابي، كما في حالة معسكرات أشبال الخلافة.

هذا ما يتم في الأحداث التالية في الفيلم، حيث تقود باهار مجموعتها من النساء المسلحات، وبرفقة الصحافية ماتيلد، إلى هجوم على مدرسة البلدة المجاورة التي حولها تنظيم داعش إلى معسكرات تدريب أشبال الخلافة، وبعد وصول المساعدات العسكرية لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، تنجح جماعة باهار بالوصول إلى المدرسة، وتحرير ابنها مع مجموعة الأطفال الآخرين في نهاية الفيلم. وهكذا أيضاً تنتهي مهمة الصحافية ماتيلد، كراوية لكامل هذه الحكاية، وتختم شارة الفيلم على مقاطع مقروءة من نصوص المقالات والشهادات التي كتبتها ماتيلد عن التجربة، بتركيز على موضوعة شجاعة المرأة، وضرورة دفاعها عن حقوقها، ومشاركتها في مصير المجتمعات التي تعيش فيها.

يحمل الفيلم عنوان "بنات الشمس"، بالإشارة إلى الثقافة الكردية وارتباطها بالألوان والشمس. منفذ بلغة سينمائية دقيقة، حيث الكادرات البصرية الواسعة لمناظر الطبيعة والشمس في مناطق سنجار، مشاهد سينمائية شاعرية، يتوقف فيها الشريط الصوتي للفيلم لصالح مقطوعات من الموسيقى يتابع فيها المشاهد هؤلاء النساء المقاتلات في حالات إنسانية، بحالات من الرقص الجماعي من تراث المنطقة، إضافة إلى واقعية في تصوير المشاهد القتالية والحربية، واقعية بعيدة عن تصوير أفلام الحركة والحروب المعروفة بالأسلوب الهوليوودي للسينما الأميركية. أداء متميز لصاحبتي الشخصيتين الرئيسيتين، الممثلة الفرنسية إيمانويل بيركوت بدور الصحافية ماتيلد، وخصوصاً الأداء الذي يتطلب التعامل مع أكثر من لغة، تطويع إيحاءات الجسد لتشبه أجساد المقاتلات وأسلوب حركتهن وسيرهن، وحتى في طريقة تنفيذهن للعمليات العسكرية التي دُرّبن عليها لتطبق في الحرب، ومثلت الإيرانية – الفرنسية  كلشيفته فراهاني شخصية باهار.

انقسم النقاد في استقبال الفيلم بين مؤيد لموضوعته في الربط بين نضال المرأة، الحرية، والحياة، ولغته الشاعرية الجمالية.. وبين فريق آخر أخذ على السيناريو الضعف في توثيق الشخصيات والأحداث وعدم الوضوح بين ما هو تخييلي وما توثيقي، كما رأى البعض فيه فيلماً مستدراً للعواطف بكثافة. لكن التجربة التي يعيشها المتلقي مع الفيلم تنبع من زاوية أكثر سينمائية، وهي تجربة المرأة المقاتلة كبطلة لفيلم سينمائي. من المعتاد، رؤية المرأة في السينما تقوم بأدوار الحركة والأكشن مثل سلسلة (تومب رايدر،2018)، و(اقتل بيل، 2003 – 2004 )،  إلا أن المميز في فيلم "بنات الشمس" هو متابعة المرأة المقاتلة في قصة واقعية، ليست تخييلاً.

مثلاً، عبر مشاهد الفيلم، ندرك أن مقاتلي داعش يعتقدون بأنهم لن يبلغوا الجنة إن قتلوا ببندقية امرأة، خصوصية تحملها المقاتلة المرأة. مثال آخر، حين نرى أن المقاتلات الكرديات يعتقدن أن لأصواتهن تأثيراً مرهباً على مقاتلي داعش، فتصدرن أصوات الزغاريد والصياح في كل مجابهة قتالية بينهن وبين عناصر داعش. تفاصيل من هذا القبيل، في تجربة المرأة المقاتلة، يتلمسها المتلقي حين يتابع ما جرى في الأحداث الواقعية في تلك المعارك، التي حملت للعالم تجربة نادرة للمرأة المقاتلة في الحدث السياسي وبالتالي بالمعالجة السينمائية.

(*) "بنات الشمس"(2018) للمخرجة الفرنسية إيفا أوسون، يعرض الفيلم في غراند سينما، ABC الأشرفية وفردان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها