الإثنين 2019/01/14

آخر تحديث: 12:23 (بيروت)

"يسوع ماكدونالد"

الإثنين 2019/01/14
increase حجم الخط decrease
يوم الجمعة الفائت، اعتُقل ثلاثة متظاهرين وأصيب ثلاثة عناصر من الشرطة الإسرائيلية خلال مظاهرة جرت أمام "متحف حيفا الوطني"، وذلك على خلفية معرض جماعي افتُتح في الرابع من آب/أغسطس الماضي، ويستمر حتى 18 شباط/فبراير المقبل.


طالب المتظاهرون بسحب بعض الأعمال المعروضة التي اعتبروها مسيئة للسيد المسيح، وردّدوا هاتفين: "بالروح بالدم نفديك يا مسيح"، وحاول عدد منهم الدخول الى المتحف لإزالة هذه الأعمال، فتصدّى لهم رجال الشرطة. رصد "موقع الأراضي المقدسة" هذه التظاهرة، ووصفها بالسلمية، وقال: "نعم نستنكر مرة أخرى، باسم مسيحيي العالم، تلك الإساءة الينا من قبل متحف حيفا والمعرض الذي عُرض فيه"، وأضاف: "تقدّم كاهن من حيفا بشكوى ضد المعرض لإيقافه، والمباحثات مستمرة بين رجال دين وإدارة متحف حيفا لإنهاء المعرض والإساءة المعروضة فيه".

كذلك، أكدت كنائس حيفا، في بيان رسمي، استنكارها لما اعتبرته إساءة للمسيح، وقالت: "نستهجن مثل هذا التصرف تجاه أكبر رمز للديانة المسيحية، من مؤسسة تهدف لخدمة جميع المواطنين. إننا إذ نعبّر عن احترامنا لحرية التعبير، وفهمنا بأن المعرض المذكور يهدف إلى نقد المجتمع الاستهلاكي، ونحن مع مثل هذا النقد، إلا أن الاستخدام المسيء لأعظم حقائق ديانتنا المسيحية التي تعرض لها المعرض المذكور، هو أمر خاطئ، وغير مقبول، ويمس مشاعر الكثيرين، من مسيحيين وغير مسيحيين". وحمّل البيان، بلدية حيفا، المسؤولية الأولى عن المعرض، وطالبها بسحب المعروضات المسيئة، وأضاف: "نأمل من البلدية أن تتصرف بمسؤولية وحكمة لحل هذا الإشكال، فإننا نبذل جهوداً من أجل التوصل إلى حل يضمن احترام الرموز الدينية، ولذا نناشد الجميع التحلي بروح المحبة التي علمنا إياها السيد المسيح، سواء بتعاملنا مع هذه القضية، كما مع سائر القضايا التي تواجهنا في جميع الميادين".

في المقابل، بعثت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغف، رسالة مستعجلة الى مدير عام متحف حيفا، تطالب فيها بإزالة هذه الأعمال الفنية المعروضة منذ آب/أغسطس الماضي. فردّت إدارة المتحف بأن المعرض "نقدي ويتناول ثقافة الاستهلاك"، وذكرت بأن "الأعمال المعروضة عُرضت في الماضي في متاحف كثيرة في أنحاء أوروبا، وهي تشير الى الاستخدام الساخر من قبل المنظمات العملاقة للرموز الدينية، وهي تنتقد ثقافة الاستهلاك العالمية والرأسمالية".

تناقلت وسائل الإعلام أخبار هذه التظاهرة، وسلّطت الضوء على مجسّم يمثّل المهرج المعروف لشركة "ماكدونالد" في وضعيّة المسيح على الصليب، وانتشرت صورة هذا المجسّم الذي حمل عنوان "ماك يسوع" بحيث أصبحت عنواناً للمعرض. وفي الواقع، يحمل هذا المعرض عنوان Sacred Goods أي "بضاعة مقدّسة"، مع العلم بأن كلمة Goods تماثل من حيث اللفظ كلمة Gods, أي "آلهة". وهذا المعرض جماعي، ويضم أعمالاً لمجموعة من الفنانين متعدّدي الجنسيات، وهم: الفرنسية الإسرائيلية إيلودي أبرجل، الأميركي الإسرائيلي غابي بن أفراهام، النروجي البريطاني ماغنوس يوان، الإسرائيلي فانيا هايمن، الفنلندي ياني لينونن، الإيطالي طوني ليونه، الثنائي الأرجنتيني بول باوليني وماريانيلا بيريللي، البريطاني نيك ستيرن، السويسرية الإسرائيلية أريان ليتمن، الإسرائيلية استير ناور، الإسرائيلي عيدو أبرامسون، والعربي الإسرائيلي كرم ناطور. وصُنّفت أعمال هؤلاء الفنانين بأنها تنتمي إلى "فن ما بعد الحداثة"، والمعرض الذي يجمع هذه الأعمال في حيفا "يسلّط الضوء على تعليقات الفنانين المعاصرين على مسائل تتعلق بالدين والعقيدة في الواقع العالمي الراهن الذي تهيمن عليه ثقافة الاستهلاك"، كما تقول البطاقة التعريفية الخاصة به.


وبحسب ما جاء في هذا التعريف: "على الرغم من تعاظم مكانة الديانات المختلفة، غير أنها تجد نفسها مضطرة للتعاطي مع تأثيرات العولمة في المؤمنين. إن ثقافة الاستهلاك تفرض على الناس إيلاء أهمية سطحية للمواد والتقنيات الدينية، من خلال تجاهل مغزى الدين الفلسفي والمبدئي، وهذه النزعة لاختزال الديانة، وتحويلها من منظومة عقائد ومبادئ وشعارات، إلى سلع استهلاكية تنعكس في المعرض. ففي أواخر القرن التاسع عشر، رأى الأديب أميل زولا ان الاستهلاك بات الدين الجديد الذي استبدل طقوس العبادة الدينية بطقوس الشراء في المجمعات التجارية التي حلّت محل الكنائس. وفي سياق عصرنا الحالي، يستخدم الفنانون الذين يعرضون أعمالهم في المعرض، شعارات دينية، في نقدهم لسيطرة ثقافة الاستهلاك على حياتنا عامة، وعلى المجال الديني بشكل خاص".

برز مجسّم "يسوع ماكدونالد" إثر التظاهرة التي شهدتها مدينة حيفا، قبالة المتحف. وهذا المجسّم من توقيع الفنان الفنلندي ياني لينونن، وهو ليس يهودياً، بل مسيحي الولادة. ومجسّمه المذكور يعود إلى العام 2015، وقد صمّمه بعدما قامت مجموعة تطلق على نفسها "تحرير الطعام"، بالاستيلاء على نصب ضخم يمثل مهرّج "ماكدونالد"، وصوّرت "محاكمته" والاجهاز عليه في شريط بثّ في الأنترنت، في أسلوب يحاكي المحاكمات التي دأبت الحركات الإسلامية المتطرّفة على تصويرها وبثّها.

وإثر التظاهرة الأخيرة في حيفا، أوضح الفنان الفنلندي انه ينتقد من خلال أعماله "الطريقة التي تحول فيها رونالد ماكدونالد إلى رمز ثقافي شعبي لدرجة وصلت الى القدسية الدينية". ورأى أن "أي محاولة لربط العمل الفني بالعنصرية هو أمر لا علاقة له بالموضوع". وأشار إلى مجسّم آخر من أعماله، يمثّل شخصية رونالد ماكدونالد جالساً على طريقة بوذا.

إلى جانب مجسّم "يسوع ماكدونالد"، يحضر المصلوب في معرض "بضائع مقدّسة" في مجسّم آخر من تصميم البريطاني نيك ستيرن، ويظهر فيه يسوع ممسكاً بيديه أكياساً تجارية مليئة بالبضائع. كذلك، يحضر المسيح على صليبه، في لعبة تعاكي دمى "باربي" الشهيرة، وتحضر أمه العذراء مريم في لعبة مماثلة، وتحمل هذه الدمى الفنية توقيع الثنائي الأرجنتيني بول باوليني وماريانيلا بيريللي. كذلك، نقع على لوحة شهيرة للمسيح عند إنزاله عن الصليب في عمل تصويري حديث بعنوان "حَطِّم الزجاج لتحصل على القيامة"، وهو من تصميم الفنان النروجي البريطاني ماغنوس يوان.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل تستحق هذه الأعمال "الهزيلة" فنياً، كل هذه الضجة الإعلامية؟ وهل يجب التظاهر والهتاف لسحبها "بالروح بالدم نفديك يا مسيح"؟ أم تركها للنسيان، أسوة بعشرات الأعمال التي تماثلها في زمننا؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها