الأحد 2019/01/13

آخر تحديث: 06:25 (بيروت)

الرواية تعيش لحظة اكتشافها عربيّا

الأحد 2019/01/13
الرواية تعيش لحظة اكتشافها عربيّا
الرواية الغربيّة أكثر انفتاحا وتحرّرا من الرواية العربية
increase حجم الخط decrease
أعتقد أنّ هذا التطوّر الملحوظ في مقروئيّة الرّواية في العالم العربي يثبت أمرين رئيسيّين: الأوّل وببداهة، هو نفيُ الـحُكم الشّائع بعدم وجود قرّاء في العالم العربي، وهو في حدّ ذاته يجيب على سؤال الرواية إلى أين؟ فطالما أنّ للرّواية قارئا، فإنّ لها مستقبلا بالضّرورة. فالقارئ هو حاضر الرّواية ومستقبلها. أمّا الأمر الثّاني فهو أنّ هذه المقروئيّة ليست انعكاسا مباشرا للإنتاج الروائي العربي، والذي يظلّ محدودا مقارنة بغيره، بقدرِ ما هي دليلٌ على بداية اكتشاف العرب لفنّ الرّواية. هذا الفنّ الذي بدأ طارئا على المدوّنة الأدبيّة العربيّة التي كانت مرتكزة أساسا على الشِّعر، وهو ليس الوضع الآن. فالرواية على هذا الأساس، لا تعيش "طفرة" بقدر ما تعيش لحظة اكتشافها عربيّا.

الشّخصيّة - الأيقونة
لا يخفى على قارئ جيّد للرواية بأنّ هناك العديد من الشخصيات الروائية التي تحوّلت إلى أيقونات، مثل لوليتا لفلاديمير نابوكوف وراسكولنيكوف لديستويفسكي وزوربا لنيكوس كازانتزاكيس، ومصطفى سعيد للطيّب صالح ومتعب الهذّال لعبد الرحمن منيف وغيرها الكثير. وفي الواقع إنّ الحُكم القائل بأنّ الرواية لم تعد تنتج هذه الشّخصيّات- الأيقونات يظلّ حُكما نسبيّا، أوّلا لأنّ الروّاية تشهد الآن داخل تحوّلاتها الفنّية، موت الشّخصيّة البطلة أو المحوريّة، وأصبح هناك حديثٌ عن تعدّد الأصوات، أو عن المقاطع أو الفصول المغلقة التي تتناول شخصيات متعدّدة تجمعها علاقات ما وكلّ واحدة تعيش حياتها بانفراد، ويحدث التّقاطع في لحظة روائيّة ما (ميلان كونديرا مثالا) ثانيا، ليس من السّهل أن تنتج الرّواية شخصيّة تصبح أيقونة. علينا أن ننتظر لسنوات وعقود حتّى نحصل عليها، ذلك أنّها عادة ما تكون وليدة عوامل عديدة أهمّها تمثيلُ هذه الشّخصيّة لجيل بأكمله مثل شخصيّة "دين موريارتي" في رواية "على الطريق" لجاك كيرواك، الذي كان تجسيدا حقيقيّا لجيل "البِيتْ" الأميركي في ستّينات وسبعينات القرن الماضي. في العادة، نحن نتحدّث عن قارئ واحد يجدُ نفسه في شخصيّة ما، أمّا بالنّسبة إلى الشّخصية - الأيقونة، فإنّ جيلا بأكمله يجد نفسه فيها.   


الرواية المترجمة
أعتقد أنّ إقبال القرّاء على الرواية العالمية المترجمة أمرٌ طبيعيٌّ جدّا، ذلك أنّهم يبحثون في مستوى أوّل عن زوايا نظرٍ جديدة للإنسان والعالم، وفي مستوى ثانٍ لديهم فضولٌ لاكتشاف تجارب فنّية جديدة مختلفة عن التجارب العربيّة التي تظلّ في أعمِّها منغلقة على المستويين. الرواية الغربيّة أكثر انفتاحا وتحرّرا من الرواية العربية، وليس السّبب فقط المحرّمات الدّينيّة والأخلاقيّة التي تولّد الرّقابة السّياسية والإجتماعيّة والذّاتيّة، ولكن أيضا لانغلاق معظمها فنّيا على أدوات سرديّة قديمة أو مشوّهة على مستوى اللّغة والبناء، وهي ظاهرة ميّزت ما يسمّى بجيل "النّكسة" ومازالت تأثيراتها تسيطر على بعض التجارب السرديّة للجيل الجديد (التقعّر اللّغوي وانعدام الحكاية والحبكة والمونولوجيّة الفجّة.) إذن فإنّ إقبال القرّاء على الرواية العالميّة المترجمة، هو إقبالٌ طبيعيّ، وينمّ عن وعي بفنّ الرواية شكلا ومضمونا، ويكشف لنا بأنّ هذا القارئ ليس غبيّا، بل إنّي أجد هذا الانفتاح ضروريّا. ولحسن الحظّ أنّ حركة ترجمة الرواية، تشهد تطوّرا متزايدا يوما بعد آخر بظهور العديد من الروايات العالمية الهامّة في دورِ نشرٍ لها مشروع جادّ في التّرجمة.

الجوائز
    ربطا مع ما سبق، فإنّ مشكلة الانغلاق تظلّ أكبر مشكلة تعاني منها الرّواية العربيّة، وهذا الانغلاق أيضًا يتحكّم في الجوائز التي تتقيّد بمعايير فنّية أحيانا تبدو عبثيّة ومنها الطّول والقِصر (لا أذكر أنّ هناك رواية عربية عدد صفحاتها المائة أو المائة وقليل قد نالت جائزة) دون المعايير الفنّيّة الأخرى التي تنتصر للكلاسيكيّ على المستحدث والجديد دون أن نعممّ طبعا، فتظل الاستثناءات موجودة. ومن مظاهر الانغلاق مثلما ذكرتُ سابقا، هو المعيار الأخلاقيّ، فهناك جوائز عربيّة تضع ضمن شروطها الالتزام بالأخلاق سواء كانت دينيّة أو عُرفيّة اجتماعيّة، بينما الإنسانُ – الفرد، الذي هو محور الرّواية الحديثة منذ "دون كيشوت" لسرفانتس، هو كائنٌ لا أخلاقيّ بامتياز، أي بمعنى آخر، فإنّ هذه الشّروط تلغي الإنسان والرواية معا وفي آن واحد. وهذا الانغلاق، هو الذي يفسّر في بعضٍ منه، حصول بعض الروايات الهزيلة على المستوى الفنّي والمعرفي، على جائزة ما نظرا لتماشيها مع شروطها. ولكن، بخلاف هذا الانغلاق، لا أحد ينكر بأنّ للجائزة دورا هامّا جدّا في التّعريف بالروائيين أكثر في العالم العربي، وربّما كانت الجائزة سببا في ترجمة تعرّف الرّوائي عالميّا إلى قارئ آخر في بيئة وثقافة مختلفتين، وهو أمرٌ إيجابيّ جدّا. 

(*) مساهمة الروائي التونسي محمد الحباشة في ملف "الرواية العربية... إلى أين"؟ الجدير ذكره ان الروائي كان أصدر رواية "رجل شارع روما"، عن منشورات هاشيت انطوان_نوفل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب