الثلاثاء 2018/09/04

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

ثورة رياض الترك

الثلاثاء 2018/09/04
ثورة رياض الترك
مانديلا سوريا
increase حجم الخط decrease
ينطلق الزميل محمد علي الأتاسي، في مقابلته مع المعارض رياض الترك (مانديلا سوريا) من اعتباره واحداً "من أهم وأصلب رموز الثورة"،  ولا يضره "أن يكون السبّاق في نقد تجربة الثورة والدعوة الى استخلاص النتائج والعبر"، و"مراجعة الدور الذي لعبه هو شخصياً ولعبه حزبه...". ويسترسل الأتاسي: "لم نشهد لدى سياسيي المعارضة(..) القدرة لأن يحذوا حذو الترك في مراجعة تجربته والاعتراف بأخطائهم"، و"سوريا كانت وستبقى.." (وهي كلمات نسمعها كثيراً من بعض وجوه النظام)، والترك "ليس استثناء سوريا المعارض". ويفرط الأتاسي في التفاؤل إذ يعتبر أن الترك "بوصوله الى باريس، هناك فرصة لأن يكون للمعارضة السورية، عنوان وحضور وشخصيات ذات ثقل رمزي، تعمل من أجل الدفاع عن القضية السورية في المحافل الدولية".. وما يستخلصه القارئ أن المحاوِر في لاوعيه يعتبر أن الترك، الذي غادر سوريا أخيراً متسللاً عبر تركيا إلى فرنسا، سيكون "مخلّصاً" ومنقذاً لمسار الثورة وناسها، وسيكون صوتها "المغيّب" في العالم، وما على الجمهور سوى انتظار "الفرصة"، لأن الرجل (وشخصيات أخرى معارضة) "متجرد من الأهواء والطموحات الشخصية"... 
 
وبغض النظر عن حماسة الزميل محمد علي الأتاسي في التقديم، وآماله التي هي آمال ملايين السوريين، يجد القارئ في مقابلة "ابن العم" (وهو عنوان فيلم أنجزه الأتاسي عن رياض الترك)، جزءاً من الكلام السياسي السوري "غير الاستهلاكي" إذا جاز التعبير، وجزءاً من التوصيف لما آلت إليه الأمور بعد سنوات من الصراع الدموي. وحضور رياض الترك ونشاطه السريّ، ينبهنا إلى مشهدية كانت مفقودة طوال الأزمة السورية أو الثورة السورية. فرغم كثرة الشخصيات المناهضة للأسد ونظامه، ورغم كثرة الشخصيات في الائتلاف الوطني السوري، بقيت المعارضة من دون شخصية جامعة، من دون زعامة كاريزماتية حقيقة، ومن دون دور حقيقي. لم تنفع الرعايات الخارجية في فرز زعامة حتى الآن، وتأرجحت الصورة الثورية للمعارضة السورية بين أركان الفنادق والمنتجعات والاستتباع، وبين مليشيات الخنادق والسراديب والمبايعات، وما بينهما من صفقات وولاءات. بل إن السياسة الدولية والإقليمية، أفرزت "داعش واخواتها" قبل أن تعود وتطبق عليهم.


وبخصوص حوار الترك، لا شك أن فيه الكثير من الإيجابيات التي تشكل منطلقاً للنقاش، ويبدو صائباً في مواقفه السياسي الراهنة، اذ يعتبر أن الخلل الرئيسي لم يعد بقاء "مجرم الحرب بشار الأسد"… فالقضية السورية أصبحت في مكان آخر و"الحلقة المفصلية هي إنهاء الاحتلال الأجنبي"، وهو احتلالات وولاءات إيرانية روسية...، والأخطر هو "دور إسرائيل" الذي قد يكون "البديل والحليف للروس في تعويم النظام وحمايته". ويشير الترك إلى أسباب فشل الثورة، وإن بشكل مجتزأ ويعتبر أن "الرهان على الغرب كان معاكساً لمصالح الثورة"، و"لن تقوم قائمة لأي معارضة إذا لم تنجح في أخذ مشروعيتها من الداخل" الذي تم إفراغه. ويعدد الترك أخطاء الثورة، بدءاً من "الاستعجال في تحقيق وحدة القوى وتشكيل المجلس الوطني بناء على اتفاق بين عدة أطراف سياسية"(...) و"استسهال مقولة الدفاع عن النفس في وجه عنف وبربرية النظام(...) وبالتالي تقدم الكثيرون إلى الساحة تحت مسميات إسلامية".. فهو يستسهل التوصيف، كيف لا، والنظام الأسدي لم يترك وسيلة عنف إلا واستعملها، من البراميل المتفجرة إلى الغازات السامة، ومن الإعدامات الميدانية الى السجون الفتاكة ومحارقها.

ومنذ البداية، سعى النظام الى صراع الصورة واللغة في وجه المعارضة، وسعى إلى أسلمة الحراك وعسكرته وتدعيشه. وهذا حصل بالتزامن من بدء الصراع على سوريا وتمدد الأيدي الأجنبية في ربوعها. فلا سلمية الثورة ستنجو من المحرقة الأسدية الروسية، ولا التشكيلات السياسية ستصل الى ضفة الآمان، ولم يُسمح للبندقية بإسقاط الأسد. في المقابل كانت الولايات المتحدة تراهن على جعل سوريا بؤرة لتدمير خصومها واستنزافهم، خصوصاً السنّة والشيعة، ومن دون أن تخوض الحرب. ولاحقاً تحولت سوريا بؤرة لتصدير الصراعات وتجريب السلاح وتمرين العسكر والبحث عن الأدوار... وبالطبع لا يمكن لرياض الترك، من خلال مقابلة واحدة، تقديم جردة شاملة لسبع سنوات من الثورة.

وأحسب الترك كثير التفاؤل، حين يصف الواقع الطائفي في سوريا: "أنا ما زلت غير مؤمن بطغيان هذا الانقسام الطائفي(..) ناهيك عن أني غير مقتنع بأن الطائفة العلوية تتمثل في بشار الأسد أو أنها ستجدد الولاء له". ويبدو الترك مثالياً حين يعتبر أن "الثورة منتصرة ولو هزمت"، و"خسرنا جولة من جولات الصراع، لكننا لم نخسر المعركة"، و"المعركة ما زالت مستمرة".

لم يقل الترك رأيه في الكثير من المواضيع الشائكة والمعقدة والسجالية، ولم يُسأل عنها. ومع الأيام سنقرأ الكثير من المواقف المعارضة لمضمون مقابلته، خصوصاً من اليسار الأسدي أو "السوفياتي- البكداشي". هؤلاء سينسون سبع سنوات من العدوان والهمجية الأسدية، وسيعودون الى اتهام الترك بعلاقة مع الإخوان المسلمين في مواجهة الأسد الأب. معزوفة التخوين جاهزة وبائسة، وقد تجاوزها الترك منذ زمن، لكن خصومه "التاريخيين" وقفوا عندها بمثل ما توقف مسارهم السياسي عند تعابيرهم الخشبية.

وبغض النظر عن المقابلة ومضمونها وتوقيتها، تبقى إيجابية الترك البارزة، أنه لم يكن من معارضة الفنادق، ولا من رواد الاستتباع للعواصم، ولم يختر حزبه السلاح والخنادق على حد قوله. هو يساري معارض للاستبداد الأسدي. حتى حين كان النظام في عز تشدده، قال كلاماً له وقعه: "حتى لا تبقى سوريا مملكة الصمت" بحسب عنوان مقالة له، وفي العام 2001 أغضب النظام البعثي عندما قال عن موت حافظ الأسد "مات الديكتاتور". ولديه مواقفه السياسية خارج النمطية السائدة لدى بعض "اليسار البراميلي" الذي يتوهم بوتين بديلاً من الاتحاد السوفياتي (الشاعر نزيه أبو عفش نموذجاً)، وبعض اليسار التونسي والأردني والمصري الذي يؤيد الأسد ظناً منه أنه "علماني".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها