الإثنين 2018/09/24

آخر تحديث: 10:22 (بيروت)

أيام الجونة 1.. "خطوة عزيزة" لم تتجاوز أرض المطار

الإثنين 2018/09/24
أيام الجونة 1.. "خطوة عزيزة" لم تتجاوز أرض المطار
منعت السلطات المصرية، الفنان الفلسطيني علي سليمان، من دخول البلاد، رغم أنه عضو لجنة تحكيم "الجونة"
increase حجم الخط decrease
1
حالة مُعقدة يطرحها منع مشاركين عرب في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي من الدخول إلى الأراضي المصرية. معقدة وإن وفّرت صورة كاملة لمعنى صعوبة، أو قل استحالة، النجاح الكامل في ظل مناخ عام تشبع بالمسخرة واللامنطق. هنا سطور تُفكر في عدم جدوى الصراخ تعبيرًا عمّا وصلنا إليه من قلّة قيمة، لكنها محاولة للقراءة في ما حدث بعيدًا عن البديهيات.

في السنوات القريبة الماضية، أدركت الدولة المصرية جدوى استخدام وجوه، ظاهرها التفاؤل والبهجة و"اللطافة"، لنشر مشروع قومي مُلوّن من الخارج يحشد الجمهور للمشاركة في فكرة "هيا نُظهر للجميع كيف أن بلدنا جميلة. كلنا سنقاوم آثار الإرهاب وقوى الشرّ التي تخلصنا منها بمعجزة". اعتمد المشروع على بساطة المصريين وأملهم في أيام أفضل. من هنا ألحّت علينا الفضائيات المُؤممة بأغان إعلانية مُبهجة، يتشارك فيها فنانون يحبهم الجمهور وتحبهم الدولة. مشاهد جميلة يوفرها، بسهولة، ليل القاهرة، مصحوبة بموسيقى لطيفة وكلمات ملخصها: "مصر جميلة، قريبة، وهاتتبسطوا معانا". سيتطور الأمر إلى برامج إذاعة اجتماعية وأعمال درامية رديئة انشغلت بالحشد العاطفي للانتماء الوطني في مفهوم الدولة الجديدة، مع ترسيخه أولويته كمعيار، ليس فقط لحب الوطن، ولكن لاستحقاق العيش فيه آمنًا. هنا تحايل برّاق يأخذ ما يريد من مفهوم "القوة الناعمة"، بعدما أدرك أن سنوات الشغف بتنظير "التوك شو" ولّى وأصبح مملاً. الجمهور يريد أن يشعر، لا أن يفهم. فاملأوه بأحاسيس موزعة بين الرعب والأمل والميل الفطري للفرح.

وفي افتتاح الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي، انطلقت أغنيته زاهية الألوان، يرددها فنانون محبوبون، تنادي بالمعاني نفسها، وتؤكد نصًا: "شرفتونا وخطوة عزيزة". لم تساعد السلطة فناني الجونة في تحقيق وعدهم للضيوف.

2
لأسباب لم يوضحها أحد، منعت السلطات المصرية الفنان الفلسطيني، المقدر سينمائيًا في عدد من دول العالم، علي سليمان، بعد وصوله إلى مطار مدينة الغردقة، من الدخول، قبل ترحيله إلى مكان إقامته في اسطنبول. كان مدعواً بوصفه عضو لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة، وحدث ذلك رغم حصوله على الدعوة منذ تموز/يوليو الماضي. وهذا أثار استياء فنانين فلسطينيين، وفق موقع "المنصة" المصري المحجوب، وألغت الفنانة ريم تلحمي مشاركتها اعتراضًا.

رفضت السلطات، أيضًا، إعطاء تأشيرة دخول للمخرجة السورية سؤود كعدان، وفريق عمل "يوم أضعت ظلّي" المشارك في المهرجان! وأعلن الفنان الفلسطيني زياد بكري، بطل فيلم "مفك"، مقاطعة المهرجان، بعدما طلب المنظمون جواز سفر غير جوازه الفلسطيني، موضحين أن وزارة الثقافة المصرية "لم تعتد به"، وهو رفض بدوره استخدام جواز سفره الإسرائيلي الذي يحمله عادة عرب48. المفارقة أن هذا الجواز الإسرائيلي نفسه منع الفنان الفلسطيني صالح بكري من المشاركة في أحد الأعمال المصرية، وقد أبلغه مخرجه بهذا المنع.

بكري الذي تعجب لمعرفته بأن السلطة المصرية نفسها لا تعترف بالجواز الفلسطيني، استدعى ذهنه صورة بصرية مؤثرة، قال: "ذبابة على زجاج شباك يطل على الصحراء. صورة تجلت في خيالي عندما أعلمني المخرج السينمائي المصري بأن السلطات لم تسمح له بالعمل معي لأني أحمل الجواز الإسرائيلي. وكم أردنا أنا وذلك المخرج الشاب أن نقتل الذبابة ونكسر الزجاج ونحول الصحراء إلى روضة خضراء. للتنويه، أنا أحمل الجواز الفلسطيني الصادر عن السلطة الفلسطينية، لكن من دون رقم وطني، والسلطة المصرية لا تعترف به"!

مشكورًا في سياق ظروف أمنية تمنع إعلان التنفس ضِيقاً، عبّر المخرج أمير رمسيس، مدير المهرجان، عن استيائه، وقال إن مقعد علي سليمان سيكون خاليًا، وسيظل معروفًا بأنه مقعده، ولن يحل محله فنان آخر. ووصف ما حدث بالإهانة، "وصاروخ ينسف الفعاليات المصرية المستقبلية".

وقررت إدارة المهرجان استمرار عرض "يوم أضعت عمري"، رغم منع فريقه من التواجد.
الفنانون المصريون، الذين وعدوا ضيوفهم غناءً ورقصًا، بأيام جميلة وأفلام "فخيمة"، لم يقل أحد منهم شيئًا. لم يعتذر أحد منهم لزملائه الممنوعين، وبينهم من تكبد عناء السفر وكلفته والعودة ترحيلًا. المشروع القومي لتحسين الصورة يتطلب التغافل.

3
ضمن دعوتنا، كتّابًا أو صحافيين، لبعض الفعاليات الثقافية والفنية العربية، يطلب منّا المنظمون ملء استمارة وافية يقولون إنها تُعرض على الأمن للتحري قبل إصدار التأشيرة. إجراء يقي هؤلاء المنظمين حرج أن يصل واحدنا إلى مطار دولة أخرى فتعيده سُلطتها من حيث أتى. يصعب على المرء طرح الاقتراح، لكن ما في اليد حيلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها