الخميس 2018/09/20

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

نساء "ستاند-أب كوميدي" يغيرن قواعد اللعبة

الخميس 2018/09/20
نساء "ستاند-أب كوميدي" يغيرن قواعد اللعبة
تسخر جينا فريدمان من النازيين الجدد الذين بدأوا يتحولون إلى تيار سياسي
increase حجم الخط decrease
"في إسكتلندا، يمنع القانون المرأة من ممارسة الـstand-up comedy. وحين أظهر على المسرح، يدرك الجمهور سريعاً أنني امرأة، فأرى وجوهاً عابسة وبائسة تقول: لماذا تتكلّم راقصة التعرّي هذه؟"

هكذا بدأت الكوميدية الإسكتلندية، فيرن برايدي، عرضها ضمن مهرجان "ميلبورن العالمي للكوميديا". خيبة الأمل التي يستقبل بها الجمهور الاسكتلندي امرأة كوميدية ليست حكراً عليه، ففي العالم كلّه، ما زال هناك اعتقاد راسخ بأن النساء لم يُصنعن من أجل الكوميديا، وأنهن غير قادرات على قول نكتة.

وقد احتفظ هذا الإعتقاد بصدقيته طوال عقودٍ وذلك لخفوت نجم النساء من الكوميديات وضعف مشاركتهن في هذا المجال. ففي العام الماضي، حصدت أوّل امرأة جائزة مسابقة Just For Laughs Homegrown Comics الكندية، وذلك في نسحتها الخامسة والثلاثين. أما جوائز مسابقة Edinburgh Comedy Awards التي تقام ضمن فعاليات مهرجان ادنبره، فقد حصدتها خمس نساء فقط خلال 38 عاماً.

لكن مؤخراً، بدأت مسارح الـstand-up comedy تعجّ بالنساء، وذلك بدعمٍ من وسائط الإنتاج غير التقليدية وخصوصاً مواقع البث الإلكتروني التي أخذت تبثّ أعمالهن. وفي هذه العروض، يمكن إلتماس نوع جديد ومختلف من الكوميديا، وهي كوميديا ناقمة تنضح بالسخرية الموجهة والنقد اللاذع. فهؤلاء يرفضن مجاراة نهج كوميدي قديم، قوامه التنميط السطحي الذي يسخر من القوي قبل الضعيف. وفي حين يسخر معظم الكوميديين الرجال "المرموقين"، من "الإرهاب عند العرب" أو "الإسهال عند الهنود"، وفي حين يطلق الكوميديون الرجال نكاتاً عن الإغتصاب، فالكوميديات الصاعدات يوجهن سهامهن نحو من يمتلك السلطة وأدواتها.

في أحد عروضها، تسخر جينا فريدمان من النازيين الجدد الذين بدأوا يتحوّلون إلى تيار سياسي فعلي في الولايات المتحدة، طالبة من أميركا أن "تعامل النازيين كما تعامل النساء، ففي هذه الحال، لن يصبح أحد منهم رئيساً يوماً". وخلال عشاءٍ في البيت الأبيض، أهانت ميشيل وولف، الرئيس ترامب في عقر داره، مفتتحةً عرضها بنكتةٍ عن علاقاته بممثلات البورنو، ثم امتدّت السخرية لتشمل أعضاء الكونغرس من ديموقراطيين وجمهوريين، قبل أن تشهر أسلحتها أخيراً على وسائل الإعلام والنساء العاملات في إدارة ترامب. توجهت وولف في النهاية إلى جمهورها قائلةً: "أنتم مسؤولون عن خلق هذا الوحش (ترامب)، وأنتم اليوم تستفيدون منه". لم تختر وولف أن تسلّي جمهوراً من الشخصيات الرفيعة والنافذة، بل استخدمت منبرها لتقدّم النقد اللاذع وتفضح النفاق. في النتيجة، لم تلقَ نكات وولف ضحكاتٍ كثيرة أو تصفيقاً عالياً، وقد بدا الإستياء واضحاً على الجمهور المستهدف.



أما في أستراليا، فقد سطع مؤخراً نجم هانا غادسبي، التي جالت العام الماضي بعرضها "نانيت" في أستراليا والولايات المتحدة. "نانيت ليس عرضاً كوميدياً، بل هو مطرقة،" تقول غادسبي. وبالفعل، قدمت غادسبي أحد العروض الأكثر جدية وعمقاً في تاريخ "الستاند-أب"، داعيةً إلى إعادة النظر في هذا النوع الفني وتفكيكه بحيث تظهر آثاره السلبية. تناولت غادسبي النكتة من منظور ذاتي، هي التي ترعرعت كامرأة مثلية في بلدةٍ محافظة في أستراليا، فتسلّحت بروح الفكاهة وأخفت شعورها بالخزي خلف سيلٍ من النكات التي احتمت بها لمواجهة الألم والصدمة.

قامت غادسبي بتفكيك النكتة وتعريتها إلى عناصرها الأساسية، مفسّرةً أن "فنّ صنع النكتة يقوم على بثّ التوتر ثمّ تقديم إجابة مفاجئة مفعمة بالفكاهة من أجل تفريغ هذا التوتر". تنتقد غادسبي هذه العملية واصفة إياها بأنها "سامّة"، وهي تعتبر أن "التوتر يغذّي الصدمة". وتحدثت في المقابل عن الحاجة إلى رواية قصصنا الحقيقية كما هي، أي بكل ما فيها من أسى ولوعة، من دون محاولة الموازنة بين التوتر والفكاهة. فالنكتة هي قصة غير كاملة، استئصلت منها الأجزاء الأكثر قسوةً، كي يشعر الجمهور بالراحة.

الفقرة التي بدأت كعرضٍ كوميدي عادي، اتخذت مساراً آخر أبعد ما يكون عن الكوميديا. استبدلت غادسبي الفكاهة بالغضب، فتوقفت عن تحريف قصصها، وأخذت تتلو حوادث العنف والتحرش والظلم، غير المضحكة، والتي تعرّضت لها. رسالتها كانت واضحة: قصص النساء يجب ألا تُحرَّف، وإن كانت ستسبب التوتر والإزعاج. بالفم الملآن أعلنت غادسبي: "أنا غاضبة". وهي مدركة تماماً تداعيات هذا الإعتراف، "فالرجال هم ملوك الكوميديا الغاضبة، إنهم أبطال التعبير الحرّ. أما حين تخرج امرأة غاضبة مثلي، على المسرح، فإنها مجرد مثلية بائسة".

تُتَّهم المثليات والنسويات خصوصاً بأنهن لا يستطعن تقبّل نكتة. إلا أن تجربة غادسبي وغيرها من الكوميديات النسويات أثبتت هشاشة الرجال في تقبل النكات التي تستهدفهم، فهم من سيطر على مجال الكوميديا لعقود، فأعتقوا أنفسهم من انتقاداته. في فقرتها، خلال حفلة توزيع جوائز الآيمي منذ ايام، قلبت غادسبي السحر على الساحر، ساخرةً من عجز الرجال عن "استيعاب النكتة". كذلك، لفتت غادسبي إلى ميل النساء الكوميديات إلى انتقاد ذواتهن بصورةٍ غير معهودة لدى الكوميديين الرجال. تطلق غادسبي على هذا النوع "كوميديا الإنتقاص من الذات، فلكي تُعطى المرأة مساحةً على المسرح، عليها أن تسخر من ذاتها وتهينها. هذا ليس تواضعاً، بل إذلال".

بالطبع، انتقد الكثيرون عرض "نانيت" بحجة أنه لا ينضوي تحت نمط "الستاند-اب"، وهو بالتالي غير مضحك. لهؤلاء قالت غادسبي "كفّوا عن إضاعة وقتي"، شاملةً بحديثها كل من يقصد عروض "الستاند-اب"، آملاً بأن يضحك بلا هدف وبلا ألم، وكل من يمارس الكوميديا على هذا النحو. فالنساء لسن مضحكات تبعاً لمعايير كوميدية كتبت بحبرٍ ذكوري، لكن غادسبي وزميلاتها اليوم لا يخشين ضرب هذه المعايير بعرض الحائط. ورغم أن دخولهن مجال الكوميديا كان عسيراً، فإنهن لم يرضخن لقواعد اللعبة، بل قررن تغييرها.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها