"تغريبة وطن"، رواية تمثل باكورة اعمال الزميل الاعلامي محمد العزير، بعدما صدرت حديثاً عن دار الفارابي في بيروت، وتشتمل على نحو 30 فصلاً، في 300 صفحة. وتتناول الرواية التجربة الاغترابية لمهاجرة لبنانية من منطقة بعلبك الى مدينة ديترويت الاميركية، مطلع سبعينات القرن الماضي.
تحاول، وانت تقرأ فصول الرواية، ان "تصدق" تنويهاً في مستهلها، بوصفها احداثاً من نسج الخيال، لكنك تجد بين يديك ما يجسد ثلاثة عقود من الهجرة بالتواريخ والامكنة والاحداث تجعلك تطارد اطياف الرواية بوصفهم أناساً واقعيين، عشت بينهم وتفاعلت معهم، وخبرت اوضاعهم وتعلمت من تجاربهم ومعاناتهم. يبرع الزميل العزير في سياق صياغة احداث الرواية، بالانتقال من أسلوب السرد الادبي، المحمول على سلاسة في العرض والتعبير والبلاغة في آن، الى اللغة المحكية التي تتكامل وتتناغم مع العربية الفصحى على السنة شخصياتها، لتمعن في تزويد الرواية بجرعات من الواقع المعيش في حقبتي السبعينات والثمانينات في منطقة اميركية انتزعت لقب "اكبر تجمع للمهاجرين العرب خارج الشرق الاوسط" وباتت "مربط خيولهم" لما ضاقت بها ميادين أوطانهم.
غلبة الحس الصحفي على النزعة الروائية بادية بوضوح في اكثر من فصل من فصول الرواية لدرجة ان الزميل العزير ينسى، (او ربما يتناسى عن عمد)، انه يروي، فيطلق العنان لخيوله الصحفية المتمرسة ويدخل في ميدان عرض الوقائع التاريخية لأحداث حقبة الرواية والتي لا تخلو من التحليل، سواء بما يخص الحرب الاهلية اللبنانية والاوضاع الاقليمية التي اندلعت في ظلها و"رضعت من اثدائها" لعقد ونصف من الزمن، او بما يرتبط بواقع الجاليات العربية واشكالاته وتطور مساره في الحقبة ذاتها. لكن هذا المزج بين الحس الصحفي (الطاغي عنده) والنزعة الروائية التي خاضت منافسة غير متكافئة لكنها صمدت باعجوبة حتى النهاية، جاء ليضفي على العمل الروائي مناخا جاذبا للقارئ (خصوصا قراء الزمن الراهن). مبعث هذا القول، أن من يعرف الزميل العزير، أو من عمل معه في ميدان الصحافة (وانا واحد ممن زاملوه لسنوات) يلمس، بلا كثير عناء، واقعيته المفرطة، وبعده عن تطرية آرائه بـ"مراهم اللغة" او التخفيف من حدتها احيانا، بمسكنات التوضيح وهو الذي يمتلك منها ما يفيض كثيرا عن حاجته اليها.
هذه انطباعات اولية سريعة رغبت في مشاركتها قبل حفل التوقيع المقرر في 11 اكتوبر القادم في مبنى المتحف العربي الاميركي في ديربورن.
(*) مدونة كتبها عدنان بيضون في صفحته الفايسبوكية
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها