الإثنين 2018/09/17

آخر تحديث: 11:38 (بيروت)

لاجئو خالد حسيني: عبادة البحر

الإثنين 2018/09/17
لاجئو خالد حسيني: عبادة البحر
حسيني، بذاته، لجأ إلى الولايات المتحدة بعد أن سيطر السوفيات على افغانستان
increase حجم الخط decrease
يقول الكاتب خالد حسيني في معرض حديثه عن كتابه الجديد "صلاة إلى البحر"، الذي صدر منذ أيام في باريس عن دار "ألبان ميشال" بالتعاون مع منظمة "لا سيماد"، إنه قرر أن ينشر نصه من أجل أن يلفت أنظار القراء إلى قضية اللاجئين السوريين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى الضفاف الأخرى، قبل أن يلاقوا حتفهم أو ينجوا. بالتالي، كتاب حسيني، الذي، وبذاته، لجأ في العام 1980 إلى الولايات المتحدة الأميركية بعدما سيطر السوفيات على أفغانستان، هو كتاب مؤلف لغاية واحدة، من الممكن وصفها بأنها غاية إعلامية، مفادها التنبيه إلى قضية اللاجئين إياها، وجعلها قضية متداولة وعامة، وذلك، من أجل مساعدتهم، تماماً، كما فعل حسيني حين أعاد ريع حقوقه ككاتب إلى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، التي يشغل منصب سفير نواياها الحسنة.

إلا أن ربط كتاب حسيني بتلك الغاية يحمل على طرح ملاحظتين على الأقل، أولها، عن مدى أو وضع جهل القراء في فرنسا، وفي أوروبا على العموم، لقضية اللاجئين، وثانيها، عن تحول في مسألة الكتابة ومنتجها على إثر قضية تراجيدية كقضية اللجوء.

من ناحية، يؤدي اشهار غاية الكتاب الإعلامية إلى الإعتقاد بأن الغالبية الساحقة من جمهور القراء لا يدركون القضية نفسها بالمطلق، ولهذا، يجب استعمال النشر من أجل حثهم على إدراكها، وهذا، ما هو غير دقيق، ليس لأنهم يدركونها كاملةً، بل يدركونها كظاهرة على الأقل، تعمد البروباغندا الميديوية على أنواعها إلى صياغتها، وتقديمها لهم، مستنتجين، وكحالة بياتريس، التي كانت من مناصري "الجبهة الوطنية" قبل أن تقترن بأحد اللاجئين الإيرانيين إلى كاليه في شمال فرنسا، أن هؤلاء "أتوا لكي يستفيدوا من عطايا الدولة" بغض النظر عن كل ظروف ودواعي لجوئهم، وعلى رأسها الأنظمة الإستبدادية وكل أشكال نفيها لمحكوميها، من القمع إلى القتل.  


على هذا النحو، يصير كتاب حسيني، السرد فيه تحديداً، أمام تحد، وهو ألا يبقى على كون قضية اللاجئين هي مجرد ظاهرة عارضة، وأن يمدها بالشرح الذي لا بد من أن يكسر صياغتها البروباغندية. ولكن، فعلياً، الكتاب لا يأخذ على عاتقه سوى أن يروي قصة اللجوء، عاقداً النية على تسهيلها، خصوصاً أنه عبارة عن رسالة يوجهها أبٌ من قرية سورية إلى طفله مروان، مخبراً إياه عن الحرب التي هجرت والبحر الذي ابتلع، والشاطئ، الذي استقبل أجساد كثيرة، ومن بينها، جسد الرمز إيلان الكردي.

بذلك، يلازم الكتاب السردية الأولية عن اللجوء، ويدرجها في بلاغ أدبي يتأرجح بين الوصف و"الوَجْدنة" أو البوح بالوجدان ليقوم بحسن البيان ولا يستقر سوى عليه.

ومن ناحية متصلة، ونتيجة تراجع الكتاب عن تحديه المذكور، وهو تراجع لا قصد فيه ولا تصميم، يغدو من السانح السؤال عن سبب تراجع كتابته إلى مجرد أداة إعلامية تحاول أن تكون إذاعة، ويقتصر اختلافها عن باقي الإذاعات المرئية والمسموعة على كونها أكثر "فنية"، بحيث أن صورتها يرسمها دان وليامز، وهو فنان بريطاني ينشر في "وول ستريت جورنال". كأن الكتابة، ومن جراء قضية شديدة كقضية اللجوء، لم تجد لها موقعاً سوى أن تعلم وتذيع، منقلبة إلى وسيلة ميديوية، لا شك في كون استحواذها على مفعولها يحتم أن تحذو حذو الوسائل المسيطرة شكلاً وخطاباً، يعني أن تمتثل لها، وللإمتثال درجات وأطرزة طبعاً.

فلا تعود هذه الكتابة، وعلى إثر القضية، وقبلها واقعتها، سوى وسيلة من تلك الوسائل، الوسيلة الأضعف بينها على وجه الدقة. وبالتالي، ولكي تستمر وتدوم، يتوجب أن تتكئ على آليتها، التي تفيد بأن جمهورها، ومهما علم بالموضوع، لا يفضي ذلك إلى إعلامه، لذا، لا يجب إعلامه بطريقة متواصلة فقط، بل يجب إعلامه بطريقة بعينها أيضاً، وهي أن يعلم بالموضوع ليعود ويجهله، وعلى هذا النحو، يدرك للحظة ثم يظل غير مدركاً له، فتظل وسائل إعلامه على قيد الإشتغال. إلا أن هذه الكتابة، ولما تسجل نفسها كصلاة في قضيتها، فبهذا تسجل كونها، وعلى الرغم من استمداد مفعولها من غايتها الإعلامية، إذ تبحث عن هذا المفعول من غاية أخرى، وهي تحولها إلى طقس تلاوة وعبادة للبحر، الذي يضحى ربها، طالبةً منه ألا يأكل الفارين على متنه. من الممكن القول أن تلك الكتابة، أكانت سردية أو لا، والتي لا يعبر كتاب خالد حسيني عنها فقط، بل الكثير غيره، هي كتابة ضائعة بين "أعلمتها" وتفتيشها عن معبوداتها، ولا فصل بين موقفيها هذين البتة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها